كنت من أكثر الناس مقاومة لفكرة أن “video on demand” سيغير أي شيء في المشهد الإعلامي والتليفزيوني فى العالم العربى وبالأخص فى مصر وكان لي أسبابي المنطقية:
1- ارتفاع أسعار باقات الإنترنت في مصر بالمقارنة بدول أخرى.
2- بطء سرعة الإنترنت فى مصر.
3- تردد المصريون في استخدام بطاقات الائتمان على الإنترنت لاعتقادهم أنه غير آمن والذى له تأثير على انطلاق التجارة الإلكترونية عموماً فى مصر بالمقارنة بدول أخرى.
4- فقر الثقافة عموماً عن الإنترنت خاصةً فى القرى والنجوع والتى بها كثافات سكانية عالية.
نرشح لك: دينا هاشم تكتب: المزج بين الإعلان والمحتوى.. كيف ينجح في مصر؟
هذه هي العقبات الرئيسية في رأيي التي كان لها التأثير في قناعتي بأن قدوم منصات الفيديو حسب الطلب سيكون بطئ، وأنه سيكون مقصورا على طبقة معينة وهى الطبقة المقتدرة فى مصر وخاصةً الشباب.
لكن بعد إعادة تفكير وبعد رؤية تحركات تأخذها منصات كبرى مثل “شاهد”، و”فيو”، و”نتفليكس”، من تعيينات لمواهب فى مجال المحتوى ورصد ميزانيات كبيرة للمحتوى العربى فى العموم والمصرى أيضاً بدأت فى تأمل المشهد من منظور مختلف، ماذا لو نجحوا فى جذب المصريين لمنصاتهم بمحتوى جيد من الدراما والأفلام والبرامج مستقبلاً؟ محتوى مبني على ما يحبه المشاهد وليس ما يحبه صاحب القناة، محتوى مبني على بحوث ودراسة وليس رأى شخصي، محتوى قيم وإنتاج غني وقصص جذابة!
العوائق التي ذكرتها لا زالت قائمة ولكن أيضاً حدث تغيير فى طريقة استهلاك قاعدة من المشاهد المصرى للمحتوى التلفزيونى وهذه القاعدة تُفضل:
1- مشاهدة المسلسلات والأفلام وأحياناً البرامج بدون فواصل إعلانية طويلة.
2- مشاهدة أكثر من حلقة في تعاقب سريع وقت الفراغ وهو ما يسمى بال binge watching.
3- حرية اختيار مشاهدة ما يريدون وقت ما يشاؤون وأحياناً في مكان ما يشاؤون، لأنه حالياً مع هذه المنصات ممكن أن تشاهد مسلسلا أو فيلما على التليفون فى أي مكان.
هذه النقاط الثلاث لا تقدمهم شاشات التلفزيون حالياً فإذا زالت العقبات في المستقبل سنرى هجرة من التليفزيون إلى هذه المنصات، سيبقى التليفزيون فى كل بيت، هذه حقيقة لا جدال عليها ولكن سيكون هناك منافسة لم نرها من قبل فى اجتذاب انتباه المشاهد المصرى بمحتوى مختلف وقيم، وستكون اللعبة لعبة محتوى من الدرجة الأولى، التلفزيون لن يموت ولكن ستُجبر القنوات التليفزيونية على تغيير سياساتها البرامجية لتواكب هذه المنافسة التى بالتبعية ستؤدى إلى تغيير فى طريقة استهلاك المشاهد للمحتوى، فمثلاً لن يكون بالضرورى عرض مسلسلات ٤٥ و ٦٠ حلقة إذا كان طول عدد الحلقات يؤدى إلى ملل المُشاهد وهروبه للمنصات لمشاهدة مسلسل كامل فى ٣ أيام متكون من ١٠ حلقات!
التليفزيون لن يموت فى مصر إذا اجتاحت منصات الـ VOD مصر ولكن بالتأكيد سيموت الفِكر التقليدى فى إدارة القنوات التليفزيونية والمحتوى الطويل والقصص غير الجذابة، لن يموت التليفزيون ولكن سنُجبر جميعاً على تغيير طريقة التفكير والتنفيذ للمحتوى التلفزيونى.
كنت محظوظة لحضور قمة التجارة الإلكترونية الاولى فى مصر منذ بضعة أسابيع، وإذا كان عدد الحضور والإقبال الكبير على هذه القمة ينقل صورة فهى أن مستقبل هذه التجارة مهم جداً ليس فقط للعاملين فيها بل وللدولة، وأنها هى مستقبل التجارة فى مصر لتلحق ببقية دول العالم قريباً وسريعاً، وما علاقة هذا بمنصات الفيديو حسب الطلب؟! العلاقة ببساطة هى أن التجارة الإلكترونية تواجه نفس العقبات التى ذكرتها ولكى تزدهر هذه التجارة يجب إزالة هذه العقبات من أمامها، وإذا زالت هذه العقبات سوف تزول بالتبعية عن منصات الفيديو حسب الطلب وبالتالى سيكون لها تأثيرها على قنوات التليفزيون وصناعة المحتوى ككل، فهل نحن مستعدون إذن..