الأستاذ من وجهة نظري هو من يفهمك ويدلك نحو الطريق، يلعب دور محوري في حياتك، عادة من لديه مَلكة العطاء لن تكون الشهرة غايته، بل يكون تأثيره على مريديه هو كنزه الحقيقي في الحياة وبعد الممات.
قبل أن أكتب هذا المقال، جلست وتعمقت في صميم علّاقاتي بالشخصيات المؤثرة في حياتي، ومن له الفضل واليد العُليا في تكويني وإبراز شخصيتي، بالطبع وقعت فريسة النوستالجيا؛ التي أتجنبها دومًا إلا في لحظات الإبداع، تذكرت هل أول مُعلمة أمسكت بيدي لأكتب أول حرف هى صاحبة الفضل؟، أم من استشف الموهبة لدي، أم من دعّم هذه الموهبة أم من تعاملت مع فضولي في العلم وشغفي للمعرفة بكل حب وجعلت مني صيدلانية تُقاسم الكاتبة التي تتناولون مقالها بين يديكم.
نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: الأستاذ محمود عوض
بالطبع أكّن كل الحب والتقدير والامتنان لكل من علمني ودعمني في كل مرحلة من حياتي، إلا أنني رأيت في أبي الروحي ” أستاذ محمد رفعت”، أستاذ اللغة العربية في الصف الثالث الثانوي أهلًا لهذه الكلمة.
من هو “الأستاذ محمد رفعت”؟ الإجابة عن هذا السؤال يستطيع جميع طلابه أن يجيبوا عليه، فهو معلم اللغة العربية الإنسان الخلوق، المشجع وذو الحماسة الدائمة، كنت طالبة في الصف الثاني الثانوي وأدرس نظام الثانوية العامة “عامين”، وتحديدًا علمي علوم “الأحياء”، كان شغفي للمعرفة بوجه عام يجعلني متميزة في المواد العلمية والأدبية على حد سواء، لكن تظل الكتابة أو التعبير باللغة محط انتباه جميع من علمني، في هذه الفترة كنت أكتب الخواطر والأشعار غير الموزونة، كغيري من الطلاب كنت أذهب قبل “الحصة” بساعة للجلوس إلى مكتبه والتحدث معه وكثيرًا ما ناقشني فيما أكتب.
وقبل الامتحانات بشهر، كنت أتابع نشاط الكشافة وأكتب ما أكتب، إلى أن حدثني الاستاذ قائلًا: ” بسنت أنتي اخترتي المجال العلمي وبتحبيه، وقررتي أن الكتابة تكون هواية مش مجال دراسة، أخلصي لقرارك وأدخلي الكلية وبعدين نميّ الموهبة، لو ضيعتي وقتك في موهبتك آه حتنجحي فيها بس طول العمر حتحسي بذنب عدم نجاحك في المجال العلمي”.
كان الحديث طويلًا وعقلانيًا ولا يتحدث به إلا أب حقيقي وانتهى بأن وضع لي جدول مراجعة صارم، نفذت النصيحة وركزت أكثر في المذاكرة ما تبقى من العام ونجحت بمجموع كبير يؤهلني لدخول كلية الطب، وفي العام التالي توالى النجاح إلى أن التحقت بكلية صيدلة جامعة الإسكندرية.
لا أخفي عليكم أن الكتابة كانت تفرض نفسها في قاعات الإمتحان، بل في وقت الإمتحان، لكني دومًا كنت أتذكر نصيحة أستاذي، وعندما أتممت دراستي وأحببت عملي “والذي يتسم بمحاكاة الناس والاحتكاك المباشر بهم”، فهمت أن أستاذي كان يرى في صورة الطبيبة الناجحة والمحبة لعملها، وأنني لا يمكن أن استغنى عن هوايتي والتي تُقاسمني روحي.
أخذت أتعمق نحو الأدب والإبداع لسنوات عديدة، تواصلت خلالها بأستاذي؛ فأزوره أحيانًا بمكتبه وأتواصل معه عبر صفحته على موقع الـ “فيس بوك”، وفي أكتوبر 2014 صدر أول كتاب قصصي لي وما أن مسكته بين يدي إلا سمعت بخبر وفاة أستاذي بسكتة قلبية، تبدّل حلم الإهداء الأول لأولى كتبي كما كنت أنوي ورافقني الحزن الطويل والحداد الطويل كذلك، وإن كنت لا أحب أن أفصح عن مشاعري لكني بكل صراحة وألم شعرت أن جزءًا من قلبي قد اعتصر لفراقه وأنني فقدي أكبر بكثير من فرحتي لصدور الكتاب الأول.
نرشح لك: محمد حكيم يكتب: الأستاذ معتز الدمرداش
وفي موت أبي الروحي وأستاذي درسًا جديد يُعلمني خلاله أنه لا يوجد حقيقة مُطلقة، فلا فرح يدوم ولا حزن يدوم وكذلك قد يتقاسمان سويًا نفس المشهد.
.
إلى من فهمني وشجعني وأخلصني النصيحة.. إلى من حاورني وعلمني الحياة.. إلى من رأى نجاحي قبل أن أسلكه.. أستاذي محمد رفعت ..رحمك الله و”لولا أنت ما كنت أنا.
“.