منذ انطلاق عرض فيلم “الملاك” عبر شبكة “نتفلكس” والجدل حول الفيلم الجديد لا يتوقف، جدل في الوطن العربي صدّاه أكبر بكثير مما يمكن أنّ يخلقه فيلمًا متواضعًا بمستوى “الملاك” في الغرب، خاصة وأنّ العمل معتمد على مرحلة شائكة في حياة أشرف مروان زوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي تواجد في دائرة صنع القرار المصري خلال مرحلة مهمة من تاريخ مصر، وتحديدًا في فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وما بعدها.
أظهر الفيلم حرب أكتوبر 1973 التي انتصر فيها الجيش المصري وكأنها كانت جزءًا من عملية السلام في المنطقة، وكأنّ مصر أرادت من خلالها تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مغالطة تاريخية، خاصة وأنّ فترة الحرب لم تشهد أي مناقشات حول اتفاقية السلام التي وُقّعت بعدها بسنوات.
نرشح لك: بسنت حسين تكتب: الأستاذ محمد رفعت.. أبي الروحي
الفيلم مأخوذ عن كتاب “الملاك – الجاسوس الذي أنقذ إسرائيل” للكاتب الإسرئيلي يوري بار جوزيف، وهو إنتاج إسرائيلي أمريكي مشترك من إخراج أريل فرومين، وكتب السيناريو والحوار له ديفيد أراتا، فيما أدى شخصية أشرف مروان الممثل التونسي الأصل هولندي الجنسية مروان كنزاري.
الفيلم تعمّد إظهار أشرف مروان في شخصية الإنسان ذو الشخصية الضعيفة، غير القادر على اتخاذ قرار والمتخبط في تصرفاته، صفات لا تتوافق مع رجل وصل لمراتب رفيعة وكان شريكًا في صناعة القرار المصري في فترة مهمة من تاريخ مصر المعاصر.
امتلء الفيلم بالعديد من الأمور غير المنطقية، بداية من طبيعة علاقة أشرف مروان والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسعيّ عبد الناصر لأنّ يطلّق ابنته منى منه، مرورًا بمشهد احتفاظه بأوراق تدين سامي شرف وآخرون من مكتب عبد الناصر بعد وفاته، وتسليمها للرئيس السادات بعدها بعدة شهور بشكل شخصي، وكانت سببًا في القبض على شرف وباقي الوزراء المستقيلين.
من بين المشاهد الكثيرة البعيدة عن المنطق مشهد شكّ سامي شرف في أنّ أشرف مروان، دخل مكتب الرئيس عبد الناصر خلال العزاء الذي أُقيم في القاهرة، رغم أنّ سامي وفق الفيلم هو من أتى بمروان من لندن حيث كان يدرس عند وفاة عبد الناصر، وبالتالي كان أمامه وقت كافٍ لإبعاد أي أوراق لا يرغب في ظهورها مطلقا.
في هذا المشهد يدخل سامي شرف المكتب أثناء بحث أشرف مروان عن الورق ة، لكن يأتي إليه أحد مساعديه ويناديه ويقول له إنّ الرئيس عبد الناصر يطلبه فيغادر على الفور، يغادر للرئيس عبد الناصر الذي يقام عزاءه وكأنه لا يزال على قيد الحياة!.
من المشاهد غير المنطقية في الفيلم أيضًا، اختطاف أشرف مروان ووضعه في حقيبة سيارة، وهو مشهد لا يمكن أنّ يحدث مع شخص في قلب لندن من قبل إسرائيليين، خاصة وأنّه ليس شخص عادي، لكنّه مسؤول مصري يعمل في مؤسسة الرئاسة، كما ظهر في الأحداث تنقل مروان بين القاهرة ولندن، وكأنّه يتنقل بين شوارع القاهرة، إذ ظهر بشكل مبالغ فيه وغير منطقي على الإطلاق.
أيضًا من المشاهد غير المنطقية، طريقة بداية تواصل أشرف مروان مع إسرائيل، والتي جاءت في الفيلم بشكل بدائي للغاية، فزوج ابنة الرئيس عبد الناصر – بحسب الفيلم – اتصل بمقر السفارة الإسرائيلية في لندن من تليفون عام في شوارع مدينة الضباب، يطلب الحديث إلى السفير الإسرائيلي، وعندما أُبلغ بتعذر الأمر دون أنّ يعرّف نفسه وسبب الاتصال، عرّف نفسه “جمال أشرف مروان”، وقال إنّ لديّه معلومات تهم الاستخبارات الإسرائيلية!، وهو ما يطرح تساؤلًا عن منطقية هذا التصرف، خاصة وأنّ طبيعة مروان وعلاقاته في تلك الفترة كانت قادرة على جعله يتواصل مباشرة مع السفير إذا رغب.
واستكمالًا لمشاهد العبث الساذجة في الفيلم، تعاود السفارة الإسرائيلية الاتصال به وتسمعه المكالمة بعد عمله في الحكومة إبان حكم الرئيس السادات، ويظهر وكأنّه مجبّر على التعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية، فيما ظهرت اللقاءات التي تجمعه مع الجاسوس الإسرائيلي في غاية السذاجة أيضًا، وكأن أشرف مروان شخص عادي لا يعرفه أحد.
اتسم الممثلون المشاركون في الفيلم بالضعف الشديد في أداء أدوارهم، كما ظهر الفيلم وكأنّه عمل محدود الإمكانيات بالديكورات الهزيلة التي تم تصميمها، علمًا بأنّ أداء جميع الممثلين جاء ضعيفًا، حتى في الشخصيات الإسرائيلية التي أراد صناع العمل أنّ يجعلوها مصدر قوة في العمل، حتى مقدم شخصية الرئيس الليبي معمر القذافي ظهر بشكل يختلف عن صورة القذافي في السبعينيات بحسب المراجع التاريخية.
كما جاء استخدام اللغة العربية في الأحداث غير موظف جيدًا في سياقه، خاصة في الحديث بين منى عبد الناصر وزوجها أشرف مروان.