قيمة المرء هي مجموع ما يحمله في عقله من أفكار، وما يحمل في يده من مهارات، وما يحمله في قلبه من معانٍ روحية، وما يحمله في ضميره من قيم ووازع أخلاقي.
وكل من أخرج منا فكرة أو علمنا مهارة أو أمدّنا بنفحة روحية، وزرع فينا خلقًا معينًا، هم أصحاب الفضل الأبدي وأنا خادم حامل لفضلهم أبدًا ما حييت.
ولعل القيم القلبية والمعاني الروحية هي الأغلي ثمنًا، بل هي التي لا تقدر بمال أصلًا، نظرًا لأنها في أغلي التخصصات، وهو تخصص طب القلوب وعلاج أمراض النفس.
نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: الأستاذ محمود عوض
لذا فبعد الشكر والثناء على كل من علموني حرفًا، بدءًا من الأستاذ المرحوم عبده أمين حتى الأستاذ حسني السيد، الأستاذ إسماعيل شعبان، الأستاذ أحمد عبد الجليل، الأستاذ حسن عبد الله، الأستاذ محمد ثابت غتوري، الأستاذ عبده محروس، الأستاذ أحمد عبد العال، الأستاذ أحمد شاهين، الأستاذ إبراهيم بديع، الأستاذ محمد فاروق “اللي زرته وهو مريض بربع كيلو سكر”، الخال محمد عبدالعزيز أبوندي، الأستاذ عاطف عميرة وغيرهم الكثير، وصولًا إلى من علمونا الأخلاق والقيم، وعلى رأسهم أبي المعلّق قلبه بالمساجد، وجدي المربي الفاضل والمعلم الأول، وعمي الراحل الدكتور أحمد دياب رجل الخير والبر، وأبي الروحي الشيخ زين أمين عبد العال الخليفة الصوفي لشيخنا الشيخ صالح أبو خليل، ثم إلى أساتذتنا في بلاط صاحبة الجلالة، بداية من “الريّس” محمد عبد الرحمن، وصولًا إلى مدرسة الوطن التي أتعلم فيها حاليًا من زملائي الأعزاء، بدءًا من زميلي حسن معروف، وصولًا إلى أستاذنا الكبير محمود مسلم، مرورًا بمدرسة الإعلام الإنساني لرائدها طارق علام.
أتمّ اليوم من العمر 30 عامًا تعلمت فيهم الكثير، وزخرت هذه الأعوام بأناس أثروا في حياتي بشكل مباشر، مثل معتز أبو بكر استشاري الموارد البشرية العالمي، وصولًا إلى رجل الأعمال “الجدع” خالد البوشي، ثم إلى أصدقائي بدءًا من الشيخ أحمد عبد الحليم خطاب، وصولًا إلى أخي الشيخ سيد حسين الجراح.
والحق أقول إنّني إذا أردت أن أفرد لكل من علمني سطرًا واحدًا، فإنّ القلم سيجف في يدي وستنفذ الأوراق، ولن أوفي هؤلاء حقهم أبدًا.
نرشح لك: فاطمة خير تكتب: أمينة النقاش ونبيل زكي.. شكرا
لكني اخترت أن أتحدث عن شخص رحل عن دنيانا الفانية في منتصف عشرينات عمره، وكان صاحب التأثير الكبير والبصمة الروحية في حياتي. من أقصده ولد وتربي في أحد بيوت الأولياء الصالحين المنتسبين للعترة النبوية، وعاش حياته طفلًا غير كل الأطفال، وشابًا غير كل الشباب، فلم يكن مثل من هم في سنه يحب اللعب واللهو، لكنّه كان طفلًا ذاكرًا لله وجامعًا أصحابه ممن يكبروه سنًا على ذكر الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسمه أحمد هشام عبيد ولقبه “المشير”، نسبة إلى أميرة البيت النبوي وعقيلة بني هاشم المشيرة السيدة زينب بنت الإمام علي.
كان السيد أحمد هشام أحد أقمار بيت الشيخ محمد أبو خليل، وهو حفيد العارف بالله الشيخ أحمد الشافعي أبو خليل، وابن شقيقة العارف بالله الشيخ صالح أبو خليل القطب الصوفي المشهور.
نرشح لك: محمد حكيم يكتب: الأستاذ معتز الدمرداش
لم يكن الشيخ أحمد يأمر بالمعروف فحسب، لكنّه كان يتجنب الشبهات، وكان يفتي على مذهب أهل الزهد والسلامة وتحريم ألف حلال لو جاء فيه شبهة حرام واحدة.
وقد استفتيته مرارًا في عشرات المسائل التي أجمع عليها العلماء وأفتى بخلافهم، خوفًا من شبهة الحرام وسعيًا لطريق الحق سبحانه وتعالي.
كان رضي الله عنه وأرضاه في قمة الكرم، وكانت يده سخيّة بطريقة لم أرها في بشر من قبل، وقد كلفني شخصيًا بالعديد من أعمال الخير دون معرفة أحد، وكنت رسوله في الخير مرات ومرات، وكان شرطه ألا أكشف عن شخصه الكريم.
نرشح لك: محمد توفيق يكتب: ميس تريزا
كنت إذا أردته ذهبت إليه ووجدته ينتظرني ويجيب عن مسألتي، وقد أجابني ذات مرة عن أمر همّني دون أن أبوح إليه، وعاجلني بقوله “ستفرج قريبًا”.
كان حليمًا صبورًا وكان صاحب دعوة مستجابة جربتها لي ولغيري مرارًا، وقد فتح الله عليه فتوح العارفين به، وبشّر لسانه بأمور حدث منها في حياته، وحدث منها بعد انتقاله للرفيق الأعلى، وما زال بعضها في أدراج القدر.
زرع الشيخ أحمد هشام في نفس الفقير قيّمًا روحية عديدة، وأمرني بالفضائل المحمدية، ونهاني عن الأخلاق الدنيّة، وحضني على المواظبة على الصلاة مرارًا وتكرارًا، وتابعني حتى انتظمت فيها وله الفضل بعد الله في ذلك، كما أمرني باستكمال الدراسات العليا وشجعني عليها، وأمرني بالزواج تحصينًا للفرج وخوفًا من الفتنة.
نرشح لك: محمد وليد بركات يكتب: مقام الأستاذية
كان الناصح الأمين والسند المتين الآمر بكل معروف، ومنجد كل ملهوف، وهذا ما رأيته فيه بعيني وسمعته بأذني، وقد قضيت معه فترة طويلة من حياتي.
وقد جلست إليه كثيرًا متعلمًا منه رقائق الأمور، ومستفسرًا عن دقائق السير في طريق الله، ومحاربة النفس والهوى والشيطان، وكان لقرب السن عاملًا عظيمًا في أنّي كنت أصارحه بكل ما في نفسي دون خجل، وكان يجيب عن أسئلتي “المستفزة” بالحلم والقول المعروف والخلق المحمدي.
سألته عن الكبر ودوائه، وسألته عن تفسير ما تشوّه في عقلي من معاني القرآن الكريم، وكان يفسر بشكل روحي فريد، وأذكر من ذلك أنّني سألته عن تفسير قول الله تعالي “وأما بنعمة ربك فحدث”، وهل معنى الآية كما يدعي البعض أنّ يُظهر أثر النعمة عليه، فأجابني بالنفي القاطع “لا طبعًا.. وأما بنعمة ربك فحدث يعني النعمة اللي يديك منها ربنا طلع منها لله”.
نرشح لك: أشرف توفيق يكتب: الأستاذ “أحمد الزيني”.. سلامي إليك في قبرك
وعن مقدار ما يخرجه المرء لله، قال رضي الله عنه “ربنا كريم.. وزي ما ربنا كريم لازم إنت كمان تبقى كريم”، بمعني أنّ الله هو المعطي وأنك تعطي فالله يعطيك وهكذا.
انتقل فجأة بعدما أسر إلى بعض المقربين منه، أنّه لن يمر عليه العام، انتقل إلى جوار ربه في العشر الأوائل من ذي الحجة لعام 1438 هجرية، الموافق 7/9/2015 ودفن في قبر طلب بنائه قبل شهرين بمقامات أجداده السادة الخليلية بمدينة الزقازيق.
لن تكفيه سطور مقالي، فهو الأديب المفكر المرشد الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر، من لم يرد سائل جاء إليه قط مهما كان طلبه، وكان مدرسة في جبر الخواطر وإنزال الناس منازلهم، وإكرام الكبير والعطف على الصغير ونجدة الملهوف بالمال والسند ولم يتأخر عن طلب قط.
نرشح لك: أحمد شبكة يكتب: أستاذ “وهيب”
تعلمت منه بعض الأمور السياسية، وعرفت منه بعض الحقائق التاريخية وبعض اللمحات الأدبية، ودون مبالغة كان جامعة في شخص واحد، وكان علمه منحة من المولى جل وعلا، وفتحًا عليه من الفتاح العليم وإرثًا له من جده سيد المرسلين. فرضي الله تعالي عنه وجزاه عني وعن إخواني وعمن علمهم وأثر فيهم خير الجزاء، وألحقنا به على خير والسلام.
نقدم لك: كيف يواجه أصحاب المكتبات حالة الركود في سوق الكتب؟