نقلا عن المصري اليوم
مساء أمس اختتم مهرجان (مالمو) دورته الثامنة للسينما العربية بعرض فيلم (عيار نارى)، كانت الدورة أيضا قد افتتحت رسميا بالفيلم المصرى (طلق صناعى) خالد دياب، وبين (النار) و(الطلق) كانت مصر حاضرة بقوة فى الأفلام والندوات ولجان التحكيم، ولا أظنها ستشارك بحضور مميز فى الجوائز!!.
نرشح لك: طارق الشناوي: فاروق الفيشاوي سيقهر السرطان
سبق أن تناولت فى هذه المساحة قبل نحو عام فيلم (طلق صناعى) لخالد دياب، وهذه المرة فإن المساحة من حق (عيار نارى) لكريم الشناوى، الذى أثار جدلا منذ عرضه فى (الجونة) على هامش المسابقة، بينما عند عرضه جماهيريا قبل نحو أسبوع مات الجدل، لأن الفيلم نفسه مات بالسكتة الجماهيرية.
هل لأنه سياسياً يطعن بضراوة فى الثورة النقية 25 يناير التى دفعت ثمن نقائها وقلة خبرتها بأن أحكم الإخوان قبضتهم عليها، قبل أن ينتفض المصريون مجددا لإقصائهم عن الحكم بثورة 30 يونيو؟ فهى لم تكن أبدا ثورة ضد 25، ولكن ثورة تعيد لـثورة 25 مسارها ومكانتها.
ورغم ذلك، فأنا ضد هؤلاء (الدوجما) الذين لا يعرفون سوى المطلق، كل أمور الحياة تقع تحت طائلة قانون النسبى.
أرفض تماما الدراويش الذين تسيطر عليهم أحادية النظرة، لدينا كمثال الناصريون والساداتيون، هناك من يرى عبدالناصر منزها عن الهوى والخطأ، فهو فى عرفهم لم يكن أبدا بشرا يخطئ ويصيب، وهكذا يضعونه فى مصاف الأنبياء، مرددين كلمات نزار قبانى (قتلناك يا آخر الأنبياء)، رغم أن عبدالناصر فى وجدانى وعقلى أقرب إلى تحليل أحمد فؤاد نجم (عمل حاجات معجزة/ وحاجات كتير خابت/ وإن كان جرح قلبنا/ كل الجراح طابت).
تلك هى الرؤية التى أتبناها فى ثورة 25 يناير، النقاء والعفوية والصدق، حاجات كتير معجزة وحاجات كتير خابت.
النظرة المحايدة لثورة 25 لا تمنع أبدا من أن يوجه إليها النقد، ولكن ما رأيته فى فيلم (عيار نارى) كان أشبه برصاصة طائشة لن تنال قطعا من الثورة بقدر ما نالت من الشريط السينمائى وأصابته فى مقتل.
اللمحة التى التقطها الكاتب هيثم دبور بالمناسبة رائعة، وهى أننا كثيرا ما نخترع الكذبة ثم نُصدقها، لأن لنا مصلحة حتى ولو كانت أدبية فى تصديقها ومن ثم ترديدها وننسى مع التكرار أنها كذبة.
سبعة شهداء فى (لاظوغلى) أثناء المظاهرت واتهام لوزارة الداخلية بالضلوع فى القتل، واحد فقط من السبعة قُتل من مسافة قريبة، هكذا يقول الطبيب الشرعى أحمد الفيشاوى فى تقريره الذى يخاصم وجدان الرأى العام، المأزق الحقيقى للفيلم أنه يخاصم أيضا وجدان الجمهور فى صالة العرض وهو يتلقى الفيلم.
أنت فى نهاية الأمر متورط عاطفيا إذا أحببت الثورة من زاوية النقاء والحتمية وضرب الفساد والتصدى لسيناريو توريث الحكم، حتما فى هذه الحالة سترفض الشريط، أما لو كنت على الجانب الآخر فستقف أيضا ضد الفيلم لأنك لن تجده يمتلك أى مصداقية فى تمرير فكرته.
الحدث الذى لم تبرد بعد نيرانه كلنا جزء منه شئنا أم أبينا، لأننا تحت مرمى المشاعر نفتقد الحياد، وهكذا ستقف ضد من يريد غسل يد وزارة الداخلية فى تمرير تلك الفكرة، وهى أن الثورة مدبرة، حتى القتلى لم يكونوا أبدا شهداء.
إذا كان المخرج يقصد فتلك مصيبة، وإذا لم يكن فالمصيبة أعظم.
أحمد مالك فى صراع مع أمه عارفة عبدالرسول على بيت الأسرة يريد أن تكتبه له ليتزوج وهى ترفض، يعتدى عليها بقسوة يتدخل الابن الكبير وتفلت منه رصاصة قاتلة ويتواطأ الجميع، فى إخفاء تلك الحقيقة، أهل الحى جميعا- وضع خطاً تحت جميعا- يتسترون على القاتل.
مرددين كلمة صارت (كليشيه) فى ثورة 25 يناير (أنا رايح أنزل يا أمى عشان مصر تبقى أحلى) وكأنه يسخر من هؤلاء الذين أريقت دماؤهم من أجل حلم سكن القلوب أن تُصبح مصر حقا أحلى، أرجو أن تنتظرنى للغد لأن مساحة المتاح أمامى من كلمات قد نفد، ولم ننته بعد من العيار النارى الطائش!!.