نقلا عن مجلة صباح الخير
عندما تمتلئ قاعات العرض بجمهور يشاهد فيلماً عن «البنى آدميين الحقيقيين» ، فلابد من الإحتفاء به، خاصة إذا كان أصحاب الفيلم نفسه لاينتظرون منه أي ربح، يكفيهم فخرا تسليط الضوء علي طبقة«مهمشة» غير مندمجة فى الحياة على الإطلاق.
أتحدث عن فيلم «يوم الدين» سيناريو وحوار وإخراج أبو بكر شوقي، فى أول أفلامه الروائية الطويلة والإنتاج لزوجته دينا أمام . عندما تشاهد الفيلم لابد من طرحك سؤال لماذا تغامر منتجة فى أولى تجاربها الإنتاجية بفيلم عن مرضى الجُذام، وهل رد الفعل الجماهيرى تواءم مع حماس صناع الفيلم له قبل تنفيذه؟ .
الواقع عكس إعجاب الجمهور بفيلمهم بعيدًا عن المهرجانات السينمائية والدليل الإيرادات التى لا تكذب، صحيح أنها لاتوازى ولاتقترب من إيرادات أى فيلم تجارى لكننا أمام فيلم لم يصنع أصلا لمغازلة شباك التذاكر ويكفى صناع الفيلم تحقيقه لإيرادات معقولة، بالنسبة لنوعيته ولظروف عرضه فى حفلات محدودة للغاية،.وفى تصورى إذا عرض الفيلم بشكل طبيعى على غرار الأفلام الأخرى سيكون له رقم آخر فى شباك التذاكر .
« المهمومين »
نأتى للفيلم وأنتصاره للإنسانية المطلقة، بطل الفيلم هو راضى جمال «بشاى» مريض متعافى من مرض جلدى «الجذام»، الذى فرض عليه عزلة إجبارية عن الحياة والمجتمع فى مستعمرة «الجذام» بسبب معاملة المحيطين له بمنتهى القسوة، ونبذه والنفور منه بلا رحمة دون معرفة حقيقة مرضه مثله مثل كثيرين يعانون نفس حالته.
نرشح لك: بعد تكريمه في “كان” و”الجونة”.. 5 أخطاء وقع فيها مخرج “يوم الدين”
اختاره مخرج الفيلم من مستعمرة الجزام ليلعب دور مريض جذام متعافى يصطحب حماره للوصول لأهله، الذين تناسوه بعدما ألقوا به فى مستعمرة الجذام بلا رحمة- وهذا مايحدث فى الحالات المشابهة لحالة شخصية بطل الفيلم فى الواقع-ودون ترتيب مسبق يرافقه فى الرحلة الطفل أحمد عبد الحافظ «أوباما» نزيل الملجأ القريب من المستعمرة، علاقة إنسانية إستثنائية جذابة بين طفل لا أهل له وبين رجل أربعينى متعافى من «الجذام».
خلال رحلة الثلاثى للصعيد لابد أن يستوقفك توهج وتنوع إنفعالات أداء راضى جمال «بشاى» لتجد نفسك متورطا عاطفيا فى كل تفصيلة بمشاهد الفيلم سواء فى علاقة بشاى بزوجته، أو فى الطريقة التى يعامل بها مرضى الجذام داخل المستشفيات فى حالة تعرضهم لأى إصابة أو مشهد وفاة الحمار ودفنه وقراءة «أوباما» الفاتحة عليه أو مشهد اخفاء بشاى لوجهه من أخيه فى المسجد، ثم اختياره العودة من حيث أتى، أو المشهد الذى جمع بشاى بأقرانه المشوهين لأسباب مختلفة وقول أحدهم «فى يوم الدين» هنبقى كلنا متساويين «مابين تلك المشاهد المؤثرة تضبط نفسك أيضا» تضحك مع أبطال الفيلم فى الكثير من المواقف منها عندما ادعى بشاى أن اسمه محمد أمام بعض السلفيين ودخوله للصلاة بالمسجد وتنفيذ أوباما قبعة طريفة لبشاى حتى تخفى ملامح وجهه المشوهة، بخلاف مهارة بشاى فى استخدام يده التى نهشها المرض لأداء احتياجاته بدون مساعدة من الآخرين، باختصار نحن أمام فيلم يصدر لنا طاقة أيجابية تدفعك للإقبال على الحياة وعدم اليأس والأستسلام للمرض أو لأى عارض يربك حياتك.
يحسب لمخرج الفيلم اختياره شخصية حقيقية متعافية من الجذام، إنها (صاحبة الهم نفسه) لتقف أمام الكاميرا لأول مرة بدلا من اللجوء للعبة المكياج لممثل محترف، والتى لن تعطى نفس المصداقية التى صدرها الفيلم للجمهور، ويحسب أيضا لعبد القادر شوقى طريقة معالجته بشكل جذاب لموضوع مسكوت عنه من قبل السينمائيين، ولانستطيع اغفال روعة عناصر التصوير والأضاءة والموسيقى والمونتاج بالفيلم، من يخرج فيلم بهذه النوعية ويحرص على أن يكون بطل فيلمه شخصية حقيقية مهما كلفه من جهد فى تدريبه على مواجهة الكاميرا وتحفيظه لدوره دون انتظار أى مردود مادى لابد أن تكون مساحة الإنسانيات لديه جيدة للدرجة التى تدفعه لصنع أفلام عن المهمشين أو غيرهم يكون همها الأول والأخير «الانسان».
ويبقى السؤال متى نتقبل الآخر؟ ونتعامل مع المختلفين معنا لظروف خارجة عن أرادتهم بشكل متحضر ونتعلم ثقافة الاختلاف فى الأراء والشكل الخارجى للبنى أدمين الذين خلقهم ربنا سواء كان المختلف مريضا «بالجذام» أو المولودين بالتوحد أو المشوهين لأى سبب .
نجح أبو بكر شوقى فى تقديم سينما مختلفة، تستوقف كل من يشاهد فيلمه، لذلك ليس غريبا أن يحظى فيلمه بهذا الكم من الأحتفاء فى المهرجانات الدولية، والتى بدأها من الدورة الماضية لمهرجان «كان» ثم مهرجان «الجونة» والاستقرار عليه ليمثل مصر فى «الأوسكار الأمريكى».
نقدم لك: ماذا قال راضي جمال بطل فيلم “يوم الدين” عن مشاركته بالفيلم؟