لا أُهاجم محمد عبد المنعم الصاوي بقدر ما ألومه من مربع عتاب المحبين، فلا ينكر إلا حاقد أو جاهل دور ساقية الصاوي الفعال طوال أربعة عشر عاماً من عمرها في الارتقاء بوعي ووجدان شرائح عمرية مختلفة من المجتمع المصري، وفي المقدمة منها قطاع عريض من الشباب والناشئة والأطفال، وإلى حد الإقرار أنها بإمكانيات محدودة مع التفكير بالفعل خارج الصندوق، قامت بما عجزت عنه قصور الثقافة الجماهيرية التابعة لوزارة الثقافة والمترامية على طول البلاد وعرضها، وأزعم أنني أحد أشد المنتمين لساقية الصاوي منذ سنوات طويلة ماضية، وهو ما يجعلني اليوم أشفق على ما آلت إليه أوضاعها الخَدَمية المُتَرَدَيَة في الآونة الأخيرة.
وأخص بالنقد أوضاعها الخَدَمية، لأن التطور المستمر فيما تقدمه من أنشطة وفعاليات أدبية وثقافية وفنية رفيع المستوى، إذا ما قارناه بقلة الموارد المتاحة وأسعار بيع هذه الأنشطة والفعاليات للجمهور، والتي لا تزال في مستوى التكلفة مع أدنى هوامش الربح، وفي متناول الطبقة المتوسطة المُخَاطَبَة بالأساس من ساقية الصاوي منذ تأسيسها.
محمد عبد المنعم الصاوي يفتتح مساء اليوم فرع ساقية الصاوي الجديد بمدينة البروج طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي، والذي يُعَد ثمرة تعاون بين ساقية الصاوي وشركة كابيتال جروب المالكة لمشروع مدينة البروج، المسرح يُخَاطِب قاطني شرق القاهرة، مُدُن الشروق والرحاب ومدينتي والعبور والعاشر من رمضان، ومعهم سكان تجمعات القاهرة الجديدة ومصر الجديدة ومدينة نصر، مسرح الساقية الجديد يسع 2500 من الحُضُور، ومُجَهَز على أعلى مستويات التجهيز، وحفل افتتاح المسرح الليلة يُحييه الموسيقار الكبير عمر خيرت، ويشاركه كضيف شرف عازف البيانو المصري العالمي رمزي يسى، وتتراوح أسعاره ما بين 250 إلى 800 جنيه، ومُتَوَقَع تفاوت أسعار الحفلات القادمة حسب النجوم القائمين بإحيائها.
لا شك أن سكان شرق القاهرة في حاجة ماسة جداً لوجود مثل فرع ساقية الصاوي الجديد، خاصة وأن المهتمين منهم من رواد الأنشطة الثقافية والفنية، يعانون من تمركز الغالبية العظمى من هذه الأنشطة في وسط البلد والمناطق المحيطة بها، وتجربة ساقية الصاوي الثرية بالزمالك تبشر بنجاح فرعها الجديد بالبروج، ولكن.
ماذا ينتظر ساقية الصاوي بالزمالك؟!.. أكد محمد عبد المنعم الصاوي من قبل أنها مستمرة في أداء أدوارها الأدبية والثقافية والفنية كما هي، وده شيء جميل، ولكن حين تكون وثيق الصلة بساقية الصاوي بالزمالك لسنوات طويلة ماضية، وتُتابع مستوى خدماتها المُتَرَدية عاماً وراء عام، تقلق على مستقبلها، ولا تملك إلا أن تتعجب من تصريحات الصاوي، وخصوصاً بعدما ظهر مسرحه الاستثماري الجديد إلى النور، وما يُزِيد دهشة المتابعين عن قرب، أن الصاوي لا يترك هفوة بساقية الزمالك بمساحاتها المحدودة، إلا ويستخلص منها أقصى ما يمكن من دَخْل، مساحات إعلانية، وأخرى للإيجار، أمسيات وحفلات، ورش وأنشطة، ومنع التدخين بدعم من منظمة الصحة العالمية.
في نفس الوقت لا تستمتع بأي حفل هناك إلا بقدر المعاناة من مقاعد غير مريحة، أجهزة صوت مأدية الغرض والسلام، أجهزة تكييف زي قلتها، دورات مياه على قد حالها، واستراحة فنانين وعازفين لا تليق بنجوم الساقية، وعلى رأسهم الكبار مثل علي الحجار، الباقي على حفلاته الشهرية هناك من أجل جمهوره.
نبارك لمحمد عبد المنعم الصاوي افتتاح فرع الساقية الجديد بالبروج، ولكن بقدر ما نوصيه بالحرص على إحلال وتجديد فرع الساقية القديم بالزمالك، فموقعها يظل فريداً على شاطئ النيل، ومتميزاً بتواجده في منطقة عريقة لها تاريخ كالزمالك، ومهماً باحتوائه لقطاع عريض من الشباب والناشئة والأطفال، وثرياً بما يقدمه من أنشطة متنوعة لمختلف الفئات العمرية، واقتصادياً بما يوفره من أسعار رمزية تظل في متناول الطبقة المتوسطة عصب المجتمع المصري، ونشجعه على امتداد التجربة خارج القاهرة، ونوافقه أن الاستثمار الفني له قواعده ومخاطره، ونتمنى أخيراً أن يضع في حسبانه أن تَرُد الساقية الجديدة الجميل للساقية القديمة، فلولا ساقية الزمالك ما كانت ساقية البروج.