“كانت أمي فنانة استثنائية، وأمًا استثنائية كذلك”..هكذا كانت تصف بسنت رضا، ابنة الفنانة هند رستم ، والدتها؛ حيث ارتبطت بها بدرجة كبيرة، منذ يوم ولداتها وحتى بعد رحيلها؛ وتعلمت منها الكثير سواء من خلال حضورها معها بعض كواليس تصويرها لأفلامها، أو من خلال تربيتها المختلفة لها، وما كانت تشاركها به دومًا.
على الرغم من كون “بسنت” ابنة المخرج حسن رضا، زوج “رستم” الأول؛ إلا أنها تعلقت بزوجها الثاني الدكتور محمد فياض، واعتبرته بمثابة والدها أيضًا، طيلة مدة تصل إلى أكثر مِن الـ 40 عامًا، الذين عاشتهم “رستم” معه، مشيرة دومًا بأنهما كانا على قدر كبير مِن التفاهم والود لدرجة تتعدى الحُب وتصل لمرحلة العشق، حتى أنها كانت لا تحبذ سماع “أم كلثوم”؛ متبنية منطق: “يعني إيه الواحد يقعد ساعة ونص يسمع أغنية واحدة، كلها يا ليل يا عين ودموع وشحتفة!”، بحسب ما كانت توضح رأيها لابنتها، ولكنها سرعان ما غيرت رأيها، وباتت تحب أن تسمع “أم كلثوم” ما بين الحين والاَخر؛ بعد زواجها مِن “فياض”، بحسب ما كان هو نفسه من عشاق “أم كلثوم”.
نرشح لك: سيد عبد الكريم.. دكتور بدرجة معلم
“أيوه يا عم.. بقيت تسمع أم كلثوم وهيمان!”..كانت ابنتها تغازلها بذلك الأمر؛ عندما تدخل غرفتها وتجدها تحلق مع “أم كلثوم”، لتكتفي “رستم” بالضحك من قلبها كالطفلة، بحسب ما وصفتها ابنتها “بسنت”، ضمن حكايات كتاب “ذكرياتي..هند رستم”، لأيمن الحكيم.
كما كان لهذا الحُب إنقلابًا حادًا في ذوقها الغنائي، وأثرًا إيجابيًا كبيرًا في حياة “رستم” قبل وفاة “فياض”؛ بحسب ما كانت تشعر دومًا بالأمان والحب في ظله، بات له أثرًا سلبيًا صعبًا بعد فراقه، حيث أصيبت بمرض خطير، كادت ستموت على إثره؛ بحسب شهادة كل الأطباء وقتذاك، إلى جانب ما تعرضت له مِن مشاكل كثيرة مِن قِبل أهله وإشكالية توزيع الميراث.
كانت “رستم” تدعو الله في سنوات “فياض” الأخيرة: “يا رب اجعل يومي قبل فياض وبوسي”، لكن تشاء الأقدار أن يتوفى قبلها بعامين، وكانت لا تتركه في عِز أزماته الصحية المتوالية، وتحرص على زيارته في المستشفى؛ إلا أنه في يومه الأخير؛ لم تدرك “رستم” جيدًا أن نضارة وجهه، لم تشر إلى حقيقة رحيله وخدعت فيها؛ ظنًا منها أنه قد تحسن للأفضل، ولكن “بسنت” تداركت الموقف، ولم ترغب في أن تصدمها وتصارحها بحقيقة ظهور علامات الموت على وجه، وامتد الأمر أيضًا حينما تلقت مكالمة هاتفية، تبلغها بوفاته، وذهبت “بسنت” مع أولاد إخوة الدكتور “فياض”، دون أن تخبر “رستم”؛ خوفًا عليها مِن
مشقة رؤية جثمانه والسير في جنازته والذهاب إلى مقبرته.
وعندما عادت “بسنت” بعد الغسل والجنازة والدفن، فوجئت “رستم” بعودتها ومعها “محمود”، و”مدحت”، أولاد إخوة الدكتور “فياض”، فأدركت “رستم” بنظرة واحدة ومن دون كلمة أن الدكتور “فياض” رحل عنها، فقالت والكلمات تتحشرج في حنجرتها وعلامات الصدمة تكسو كل ملامحها: “طب ما قلتليش ليه؟!”.
دخلت “رستم” بعدها في دوامة مخيفة مِن الحزن والاكتئاب، ولم يمضِ سوى شهرين فقط، حتى قادتها الأحزان إلى انسداد في شرايين القلب، وصرح الأطباء وقتذاك أن “الحالة ميؤوس منها”، وطلب الدكتور من “بسنت” أن توقع على إقرار يقول إن نسبة نجاح عملية فتح شرايين قلبها، لا تتعدى نجاحها نسبة 50 %، وعلى رغم من عدم موافقة “رستم” لإجراء العملية؛ مضت “بسنت” على الإقرار ودموعها تنهمر على وجهها؛ خوفًا من عواقبها؛ إلا أن الأمل ازداد في قلبها؛ وتفاءلت خير بلطف الله وكرمه بنجاح العملة.
نجحت العملية وصممت “بسنت” على نشر شكر خاص مدفوع في كل الجرائد؛ لطبيبها ومساعديه، ولم يفارق ذاكرتها ما قاله لها الطبيب فور انتهاء العملية بنجاح؛ حينما ثنى على “رستم” ومشوارها، قائلاً: “يا بنتي أمك دي أكيد ربنا بيحبها، أكيد عملت حاجات كويسة أوي في حياتها علشان ربنا يكرمها كده، اللي حصل لأمك ده معجزة طبية بكل المقاييس”، ومن ثمً عاشت بعدها “رستم” عامين بصحة جيدة، إلى أن تدهورت صحتها مرة أخرى، ودخلت المستشفى؛ لإجراء عملية غسيل كلى، ولكن الدكتور لم يطمأن “بسنت”، وأشار لها أنه مسألة “أيام” وستفارق “رستم” الحياة، إلى أن حدث ذلك بالفعل ورحلت في اليوم الثامن من شهر رمضان، في 8 أغسطس لعام 2011، عن عُمر ناهز الـ 79 عامًا.