شيماء جلال تكتب: الأستاذ عادل حمودة.. ساحر الصحافة

لم أكتب أبدا عن العلاقات المهمة في حياتي، فالمشاعر الإنسانية أصعب من أن تستوعبها اللغة أو تحمل معانيها هذه الحروف المترابطة، لذا قررت ألا أجهد نفسى فى  الصياغة، وألا أبحث عن الكلمات، وأكتفي بحديث بسيط قد لا يليق بالشخص ولا بخصوصية التجربة معه.

العلاقة بين عادل حمودة وتلاميذه واحدة من أصعب العلاقات وأعقدها؛ فهى خليط من الأبوة والخصومة، بعضنا لم يغفر له قسوة مدرسته عليهم، لكن لم يستطيعوا فى نفس الوقت إنكار أبوته لهم، فأحبوه ولعنوه فى نفس الوقت.

مدرسة عادل حمودة ليست مدرسة صحفية فحسب، وإنما في الحقيقة هي مدرسة قاسية فى المهنة والحياة على حد سواء، فلن يمد لك أحد يد العون، ولن يجلسك أحد بجانبه ليعلمك كيف تكتب، أو كيف تصيغ موضوعا أو تتناوله. مدرسته، كانت أشبه بأرض الكبار، لا تقبل مبتدئين، وكل ما عليك هو الاعتماد على نفسك، والتعلم بمفردك، اضبط نفسك على الموجه، واعرف سر الخلطة، وجاهد للحصول على المعلومة، واغتنم موضوعا ثمينا لتفرض حضورك، بغير ذلك أنت مجرد طيف أو عابر سبيل، لن يشعر بوجودك أحد، ولن يبحث عنك أحد إذا غبت أو رحلت، وفى كل الأحوال لن يكون لك أي حيز في الجريدة، ما لم يكن داخلك بذرة موهبة.

نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: الأستاذ محمود عوض

لا أعرف هل كنت أنا من الجيل الثاني أو الثالث الذي تخرج في مدرسة الأستاذ، لكن ما أدركه أنى كنت محظوظة بأن لحقت به فى عز تألق مدرسته، فى مطبوعته الثالثة “الفجر”. كان عددنا لا يزيد على 20 صحفيا، يعرف بعضنا البعض جيدا، ويعرفنا حمودة، الذي كانت بطاقة التعارف الوحيدة بينه وبين أى صحفى هو “الموضوع”.

عادل حمودة جواهرجى حقيقى يعرف كيف يثمن موضوعا متوهجا، لكنه لن يعترف بك إلا  إذا داومت، فلم يكن يمنح أحدا مساحة ثابتة فى الجريدة ، حتى من كنا نطلق عليهم “أولاده الكبار” ممن سابقونا إليه، فأهمية الموضوع وحدها ما يحدد المساحة.

لن يلقى لك عادل حمودة موضوعا، ولن يخصك بقضية مهمة، لكنه سيفرد لك مساحة تليق بما استطعت أنت أن تظفر به بمجهودك.. كان الباب مفتوحا على مصرعيه لمن استطاعوا البقاء، فهى مدرسة لا تحترم إلا الأقوياء.

بالنسبة لى كان ذلك منصفا بما يكفى لأخوض صراع الديناصورات داخل جريدة تضم نجوما وقتها، وأعتبر نفسى من أصحاب البيت على مدار 6 سنوات كاملة قضيتها في جريدتي الأم.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: أمينة النقاش ونبيل زكي.. شكرا

فى مدرسة حمودة الموضوع المنشور هو أرشيف صحفي، ينقطع ذكره وتنتهى نشوته مع صدور العدد، لتبدأ عملية البحث عن صيد صحفى جديد. تخرجت من مدرسة عادل حمودة “عضمى ناشف”،ليس فقط مع المصادر، لكن أيضا فى الدفاع عن نفسى فى المهنة والحياة، فقسوة المدرسة تركت بصمتها على شخصية كل من انتمى إليها، وهى قسوة لم يغفرها بعض التلاميذ له أبدا، إلا أنني على العكس.. ممتنة لها.

ففي مدرسته تعلمت كيف أثير شهية القارئ وجنون المسئول، فلا أحد كان بعيدا عن أعين تلاميذ الأستاذ فى كل الوزارات والهيئات، بطن الحكومة والبرلمان، والتربيطات السياسية، وجلسات النميمة، والصفقات الحرام، هنا في مدرسة عادل حمودة تعلمت سحر الصحافة، فهو “أبانا الذى علمنا السحر”.

فى أحد أيام صيف 2012، اجتمع بنا الأستاذ لإبلاغنا بقرار اختيار رئيس تحرير جديد للجريدة، فلم نملك وقتها أن نحبس دموعنا، لأن العلاقة بيننا لم تكن صحفيين برئيس تحرير، إنما علاقة أب بأبنائه، والمعلم بالصنايعية في ورشته، ولم تفلح محاولاته فى إبعادنا عنه، أو تعلقنا به.

نرشح لك: منى سلمان تكتب: الأستاذ زكي.. سبب عشقي للغة العربية

أعترف، لم يظلمني عادل حمودة مهنيا، حتى فى لحظات غضبه علي، كان يعطينى حقي كاملا فى الإشادة، قبل أن يبدأ وصلة الهجوم. وبالنسبة لي إشادة عادل حمودة كانت وما زالت شهادة تقدير لم يمنحها لكثيرين من تلاميذه.

هل تعرف أن تلك لعنة تطارد كل تلاميذ الأستاذ؟ ما زالوا ينتظرون رأيه فيما يفعلون وما يكتبون، حتى بعد أن أصبحو كتابا ورؤساء تحرير، وبعد أن خرجوا من عباءته، فما زالوا يتطلعون لرأي الأستاذ، وكلمة “إطراء” على عملهم.

مع تغير الظروف السياسية والمهنية، كان الوقت قد حان للفطام عن التجربة الأم، وربما كان قدر “ورشة حمودة” أن تكون “حاضنة” لتخريج صنايعية تتلقفها تجارب أخرى، الخروج من الفجر كان أشبه بمغادرة البنت لمنزل أبيها، ولم أقو أبدا على قطع علاقتى بالأب أو ببيتي الأول “الفجر”، ورغم تغير ظروف السوق والمزاج العام، ما زال أبناء عادل حمودة يملكون سر الصنعة، ما زالوا يملكون السحر.

لا أحد ينجح بمفرده.. ملف خاص عن “الأستاذ”

 

أبرز 7 تصريحات مثيرة للجدل للكاتب يوسف زيدان