شرين حمدى تكتب: أستاذى عمر درويش

أستاذى عمر درويش.. لقد كان تشجيعك لى نقطة تحول فى حياتى، فكلمة منك أكسبتني الثقة في نفسي وستظل تكسبني إياها مدى الحياة، أتذكر هذه اللحظات وكأنها حدثت بالأمس القريب، حين طلبت مني أنا وزميلاتي حل سؤال إحصائي، نظرت إلى السؤال وقولتُ فى نفسى “ييييه إيه المسألة الصعبة  دى”، وأرسلت إشارة لذهني بعدم التفكير وتكاسلت حتى عن الإمساك بالقلم  للمحاولة “ماهو باين من شكلها إنها صعبة”، ووضعت عينى فى الأرض وأخذت أدعو الله أن لا يرانى الأستاذ وأتوارى عن نظره كى لا يسألنى عن الحل، إلا أنه بفراسته لاحظ وقال لي “حلي يا شرين”، فابتسمت إبتسامة خفيفة وهمهمت “دى صعبة يا أستاذ”، ليرد “حاولى”، فأجبته “مش هعرف”.

نرشح لك: شيماء جلال تكتب: الأستاذ عادل حمودة.. ساحر الصحافة

 أصر وبكل ثقة و بنبرة صوت قوية قائلا “هتعرفى”.. هذه الكلمة التى قالها لى وبهذه الطريقة جعلتنى آخذ قلمى بقوة وأوقظ ذهنى وآمره بالتركيز لحل السؤال كى لا أُخيب ظن أستاذى في، و قد كان.. نجحت فى حل السؤال، بعد أن تركت هذه اللحظات أثرا طيبا ودائما فى نفسي عن مادتي الإحصاء والرياضيات، بكلمة واحدة علمني أستاذي درساً كاملاً؛ علمنى ألا استسلم لليأس، أن أثابر وأحاول، وأن شرف المحاولة يكفي، علمنى أيضا كيف يكون التشجيع.

“أرأيت أشرف أو أجل من الذي يبنى وينشئ أنفساً وعقولاً”.. أُصبتُ ذات يوم بحمى شديدة فلم توقظنى والدتى للذهاب للمدرسة ولكن استيقظت بمفردى وبينما أحاول النهوض كى أرتدى زى المدرسة، جاءت أمى مسرعة وبيدها قماشة مبللة بالماء لعمل كمادات لى، وسألتنى ماذا أريد كى تحضره لى و أنا فى سريرى؟ فقولت “أنا قايمة أروح المدرسة”، فرفضت في شدة، فما كان مني إلا أن أقول “الأستاذ عمر قال مفيش حاجة تمنعك من إنك تروح المدرسة ولا تذاكر إلا الموت”، وأكملت “لازم أقوم أروح، أنا كدا اتأخرت” فضحك والداي وحاولا إقناعى في المكوث في البيت، وبالفعل نجحا في ذلك؛ فلم أكن أقوى على الحركة فعلياً من شدة ارتفاع درجة حرارتى، فقد علمنى الأستاذ ماذا تعنى المسؤولية، وماذا يعنى الواجب.

أستاذي عمر درويش.. كنت مثالاً لم أر نظيرا له قط فى حياتى للعطاء فى عمله، فقد كان الأستاذ لا يبخل علينا بوقته أو جهده أو ماله: كان يلزم نفسه بإعطاء حصة يومية صباحية تستبق  طابور المدرسة  لطالباته -بمدرسة أم المؤمنين الإعدادية بنات- يجرى لهن فيها مسابقات، يقوم بتقسيم الطالبات إلى فريقين ويطرح علينا عددا من الأسئلة ومن تنجح من الفريقين يعطى لها جائزة مالية قدرها “25 قرشا” كانت وقتها متوسط المصروف اليومى لنا. أستاذى أحب الرياضيات وعشق تدريسها، وتعلمت منه كيف يكون الإخلاص فى العمل وكيف يكون العطاء.

قابلته صدفة ذات مرة فى إحدى شوارع محافظتى سوهاج والحقيقة أنى استوقفته على استحياء لأخبره أن تلميذته إلتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وحصلت على البكالوريوس فى الإحصاء وأنها كُلفت من قبل جامعتها -جامعة القاهرة- للعمل بمعهد الدراسات والبحوث الإحصائية، كما حصلت أيضاً على درجة الماجستير فى نفس التخصص من ذات الكلية، فقال لى “إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاُ”.

أستاذي عمر درويش .. كان يمتاز بالنشاط والجد ويمتلك صفات القائد الناجح، كان يراقب الله فى عمله، وكان يردد مقولة الإمام علي بن أبي طالب: “المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والفقر فخري، والزهد حرفتي، والصدق شفيعي، والطاعة حبي، والجهاد خُلقى وقرة عيني”،  وقد وقع الاختيار عليه لتكريمه كمعلم مثالى على مستوى الجمهورية أكثر من مرة، كما تقلد العديد من المناصب الإدارية الهامة، و نال تكريم المحافظ فى احتفال كبير أقامته مديرية التربية والتعليم بمناسبة بلوغه سن المعاش.

أستاذى عمر درويش.. أيها المربي الفاضل، كنت أتمنى من الله أن يطيل فى عمرك لأخبرك أنى حصلت على درجة دكتوراة الفلسفة فى الإحصاء لأرى الفرحة فى عينيك والفخر على ملامح وجهك، وأن أقدم لك كتاب الله هدية لما زرعته فى نفسى وعلمتنى إياه. ولربما رحلت عن دنيانا بجسدك منذ عامين لكنك تبقى حاضراً فى قلوبنا بسمعتك الطيبة وسيرتك الحسنة.