كنت تلك الفتاة في الصف الإعدادي ذات الشعر الكثيف الأجعد حين تريد، وذات الشعر المفرود المنساب على الجبين حين تقرر استخدام مصفف الشعر، كان بداخلي أشياء كثيرة وتناقضاتها، لكن أكثر ما أتذكره أنني كنت تلك الفتاة المشاغبة التي لا تحب التركيز الكبير في الحصص المدرسية بل كانت تحب الهرب أحيانا من الحصص المملة التي لا تروقها، كانت لا تحب القيود -وإلى الآن- حتى وإن كان الاختلاف كبيرا، فشتان ما بين فتاة تتمرد على القيود وتظل متذمرة، وفتاة أخرى تمردها يجعلها تصنع لذاتها عالما من الإبداع والعمل الذي يناسبها، ولم أتحول هذا التحول بكل بساطة بل مررت بالكثير من الشخصيات التي ألهمتني.
فلم أنس إلى الآن أستاذة اللغة العربية في المرحلة الإعدادية -أستاذة نورية- وبالرغم من أني كنت أحب اللغة العربية وخصوصا تحليل النصوص الأدبية إلا أن هذه المعلمة تلقت الكثير من مشاغبتي كالكثير من المعلمات الأخريات لكنها اختلفت عنهن في تقبلها لتلك المشاغبات، ففي وسط فصل يبلغ عدده حوالي٤٠ طالبة من جنسيات مختلفة من الدول العربية كانت أستاذتي توجهنا وتنصحنا بأننا سنصبح زوجات وأمهات فيجب أن نكون قدوة، فقلت لها بأسلوب مشاغب كالعادة “ممكن مانتجوزش”، فقالت لي وقتها كلمة لم أنساها إلى الآن “ولك ما أردت”، وشرحت لنا مفهوم يتحدث عنه كتاب السر والذي لم أكن أعرف عنه شيئا في هذا الوقت وهو أن الشخص قادر على استدعاء الأمور الجيدة والسيئة من عقله ويستطيع بقوة عقله وحسن الظن بالله أن يحقق ما يريد.
نرشح لك: محمد حكيم يكتب: الأستاذ معتز الدمرداش
أبهرني هذا المفهوم وقتها كأنني كنت أشاهد سحرا تنبهر له العيون والعقول. ذهبت إلى البيت وظلت هذه الفكرة تلح علي، وبدأت رحلتي في البحث عن أول كتاب اقرأه، لم أجده وقتها باللغة العربية في أكبر مكتبة في منطقتي، لكن ظلت الفكرة في رأسي لسنوات وقرأته لاحقا، وشعرت أن هذا العالم كبير جدا ومثير يجب أن نتعلم فيه الكثير من الأشياء، وحين جئت إلى مصر واخترت تخصصي إذاعة وتلفزيون في كلية الآداب قسم الإعلام الذي حلمت به منذ أن كنت صغيرة ظلت أول سنتين في الجامعة أحب تخصصي، أعشق تلك الكتب التي أحملها بين يدي، لكن لا أعلم من أين أبدأ؟ من أين أتعلم؟! من أين أطور من نفسي أكثر غير القراءة؟! من أين أجد نفسي وكيف؟ لدرجة أنني في لحظة من اللحظات قررت أنني لن أكمل هذا المجال، حتى جاء من أنقذني.. أنقذ حلمي من الضياع، أنقذ شغفي وحرر طاقتي المكبوتة في أنحاء جسدي، وجعل الحماس والتفاؤل والتعلم والعمل يجري في شراييني مع دمي، خاطب عقلي وقلبي وأخذ بيدي حتى تحولت في لحظة من فتاة يائسة قررت أن تترك مجال الإعلام إلى فتاة استعادت نشاطها وقوتها وطاقتها وبدأت تعمل أكثر.. إنه دكتور محمد سعيد محفوظ الصحفي والإعلامي، أستاذي ومعلمي وملهمي، الذي جاء في نفس اليوم الذي قررت فيه اعتزال شغفي إلى كلية الآداب جامعة طنطا، وأحيا حلمي من جديد.
أتذكر أنني كنت مستمتعة كثيرة طوال الندوة، وفي آخرها أعطاني مفتاحا أحمله معي إلى الآن في عقلي وقلبي وهو “ميدياتوبيا”، المبادرة الإعلامية الشبابية التي بادر في تنفيذها دكتور محمد سعيد محفوظ والتي أصبحت مؤسسة إعلامية لتدريب شباب الإعلاميين من الطلبة والخريجين وفتحت مساحات كبيرة في السوق أمامهم وتعليمهم أخلاقيات المهنة وتطوير مهاراتهم وعمل محاكاة لسوق العمل في معسكرات إعلامية في مناطق ساحرة وملهمة في مصر، وإنتاج مواد مسموعة ومرئية ومقروءة ونشرها على صفحة المؤسسة على موقع التواصل الأجتماعي فيسبوك.
نرشح لك: ميدياتوبيا تطرح إجابة سؤال “الإعلام إلى أين؟”
أستاذي دكتور محمد سعيد محفوظ جعلني أبدأ رحلتي الحقيقية لتحقيق أحلام. ففي عام 2014 سافرت إلى الكثير من المحافظات المصرية كذلك عدد من الدول الأوروبية والتقيت بالكثير من الأشخاص من مختلق دول العالم، جعلني أطور خبراتي ومهاراتي وأتعلم الكثير من تخصصات الإعلام من التقديم الإذاعي والتلفزيوني والإعداد وصحافة الفيديو والمراسل التلفزيوني والكتابة الصحفية والقيادة الإعلامية والمونتاج والتعامل مع مواقع التواصل الإجتماعي وإنتاج وتنفيذ التقارير والتعليق الصوتي والمكساج الصوتي، جعلني أتعلم أكثر واكتشف نفسي أكثر حتى بدأت أتعلم وأهتم بمجالات جديدة مثل الدوبلاج والإخراج وكتابة السيناريو وإنتاج الأفلام القصيرة، جعلني ألتقي بالكثير من الصحفيين والإعلاميين والشخصيات العامة واستفيد من خبرتهم وتجاربهم وقصصهم، جعلني أعشق مجالي أكثر وأتمسك به أكثر، جعلني ومن غير أن يشعر أمر بتجارب عمل كثيرة حتى وصلت في بداية سنة 2018 إلى حلم سعيت له كثيرا، وهو أن أكون مراسلة وكاتبة صحفية ومدربة تعليق صوتي ودوبلاج تجوب محافظات مصر وتعلم الشباب الكثير مما تعلمته من هذا الرجل العظيم ومؤسستنا العظيمة، وتحلم بأن تكون إعلامية مؤثرة في العالم، وصوت مميز في ديزني وناشونال جيوغرافيك.
نرشح لك:محمد عبد الرحمن يكتب: الأستاذ محمود عوض
دكتور محمد سعيد محفوظ دعمني في مواقف كثيرة لكنني لن أنسى دعمه لي في موقف إنساني وشخصي لن يتسع المقال للحديث عنه كان الأصعب والأكثر صدمة في حياتي على الإطلاق، وكلما تذكرته ترورقت عيناي بالدموع فخرا وعزة وحبا وتطهرا وامتنانا واحتراما له- لأني أتذكر دعمه في هذا الوقت وثقته بي كالأهل والأصدقاء الذين آمنوا بي في هذه النكبة حتى تخطيتها في وقت قصير جدا وقتلت تلك الأيام من حياتي تماما.
شكرا لأستاذي ومعلمي الصحفي والاعلامي القائد الملهم المبدع لغير البيروقراطي، المنظم غير التقليدي، المتوازن عقلا وقلبا في أغلب الأوقات الداعم للشباب والمؤمن بهم، المؤثر الذي يعمل كثيرا ويبني العقول والقلوب والمخلص نقي القلب كبير العقل كثير الحكمة، فتي الروح .. دكتور محمد سعيد محفوظ.
شكرا لأنك دائما ما ذكرتنا بجملة الصحفي مصطفى أمين مؤسس أخبار اليوم “أن النجاح في الحياة قصة حب”، وأنك علمتنا أن القطار لا ينتظر المترددين.. كلمات الشكر لا توفيك حقك أستاذي ومعلمي.