انتهى الموعد النهائي لتقديم أفلام أوسكار أفضل فيلم أجنبي، والتي يجب أن تكون عُرضت في الفترة ما بين الأول من أكتوبر عام 2017 و30 سبتمبر 2018، وهذه السلسلة ستضم مجموعة من أهم الأفلام التي قدمتها بلادها لتدخل القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار، تلك القائمة التي سيتم اختصارها بعد إعلان ترشيحات الأوسكار في بداية 2019.
نافس “The wild pear tree” أحدث أفلام المخرج التركي نوري بيلجي جيلان على السعفة الذهبية هذا العام، هذا ليس أمرًا غريبًا وقد نافست بل فازت أفلام جيلان بجوائز في مهرجان كان السينمائي لآخر 5 أفلام قدمها، بل كان المستغرب عدم فوز هذا الفيلم لأول مرة بأي جائزة.
هذه المرة يقدم لنا جيلان قصة شاب صغير يشعر بالذنب لأن اختلافه يثقل كاهله، اختيار مستقبله عبئًا عليه، فلا هو يستطيع أن يصبح كما يتوقع منه الآخرين، ويشعر أن رغبته في الاختلاف إهانة لهم أو تعالي على التقاليد، أو رفض لمصير محتوم له.
نرشح لك: علياء طلعت تكتب: أفلام في الأوسكار (3).. “Shoplifters”
“سنان” من عائلة متوسطة، أنهى دراسته الجامعية وعليه أن يحدد هل يقوم بامتحان يؤهله للعمل في التدريس مثل والده، أم يتبع حلمه ويصبح كاتبًا وينشر روايته “شجرة الكمثرى البرية” أو “The wild pear tree”، وخلال رحلة قلقه وتقلبه بين هذا وذاك نتعرف على تفاصيل عالمه خلال ثلاث ساعات من المتعة الصافية .
يأخذنا الفيلم في مسارات متعددة، فلا نعلم هل هو فيلم عن الحيرة في الطريق أم العلاقات العائلية المعقدة. بُني الفيلم على نص من 80 صفحة كتبه Akin Aksu -الذي شارك لاحقًا في كتابة السيناريو- وتمحور هذا النص حول العلاقة الحقيقية بين أكين ووالده، وعنوان الفيلم ذاته مقتبس من قصة بعنوان (The Solitude of the Wild Pear Tree)، أي أن النقطة الأساسية التي بدأت من عندها الحكاية هي العلاقة المعقدة بين “سنان” بطل الفيلم ووالده، الأول يوشك على اجتياز نفس الخطوات التي مر بها والده من قبل في شبابه، من نفس الكلية للامتحان الذي يصبح بعده معلمًا وغالبًا في نفس المدرسة، ولكن بداخل “سنان” رفض مضمر لحاضر الأب، فهو يرى أن حبه للمقامرة وضع الأسرة دومًا في خانة الفقراء، في عقله الباطن يلومه على عدم قدرته على نشر كتابه بسبب نقص المال، يخاف أن يصبح معلمًا حتى لا يتحول ويصبح هو آخر.
لكن على الجانب الآخر نجد أن هذا الأب هو الأكثر اهتمامًا بسنان عن باقي عائلته، يتقبل اتهامات صغيره بصدر رحب وابتسامة كبيرة، وعندما تنشر الرواية هو الوحيد الذي يهتم بقراءتها فخورًا بابنه رغم تمرده عليه بصورة واضحة طوال الوقت.
يمتلئ الفيلم بالحوارات الطويلة، كل منها يأخذنا إلى جانب من تفكير وعقلية الشاب سنان، فنبدأ بالحب عندما التقى صدفة مع زميلة المدرسة السابقة التي كان يكن لها شعورًا في الماضي، ثم تفرقت بينهما الطرق، ليعيد التعرف عليها بالإضافة للكثير من القيم المجتمعية التي نسيها بسبب بعده عن القرية فيعرف أنها على وشك الزواج من شخص لا تحبه لأن ذلك هو المفترض في عمرها.
نرشح لك: علياء طلعت تكتب: أفلام في الأوسكار (2).. “دوجمان” العابر للقارات!!
ثم يقابل صدفة أحد كتابه المفضلين، ليبدئا حديثًا طويلة عن الفن والأدب والكتابة كمهنة يرغب فيها سنان، وتحذيرات الكاتب من صعوبات هذا الطريق مع إلحاح سنان في الأسئلة والبحث عن أجوبة قد لا يعرفها الآخر لتنتهي هذه المحادثة بيأس سنان من اختياره أكثر من قبل.
كل ذلك على خلفية من محاولته نشر عمله الأدبي الأول ليتماس مع السلطة هنا لأول مرة باتجاهه للمحافظ ليساعده في عملية النشر، الذي يتنصل منه وينصحه بمقابلة أحد مقاولي البناء وهو شخص معروف عنه حب الثقافة، ومن هنا يتعرف سنان على الرأسمالية في بلاده على شكل شخص وصولي يتخذ من القراءة ساترًا حتى يستطيع رسم صورة غير حقيقية لنفسه للحصول على مزايا اقتصادية.
في كل حوار كان هناك باب يفتح أمام سنان ليتعرف على جانب آخر من العالم غائبًا عنه في العزلة التي فرضها على نفسه، كما لو أن المخرج والمؤلف يرغبان في أخذ المشاهد برحلة إلى أفكار الطبقة الوسطى التركية.
نرشح لك: علياء طلعت تكتب: أفلام في الأوسكار (1).. حرب باردة
تم تصوير الفيلم في ثلاثة أشهر ونصف ليأخذ نوري جيلان عامًا كاملًا في مونتاجه ليمتد طوله إلى ثلاث ساعات، وقد كانت النسخة الأولى بعد المونتاج خمس ساعات. ولكن خلال هذه الدقائق المائة والثمانين لم أشعر –وأغلب المشاهدين- بأي ملل، على الرغم من اعتماد الفيلم على الحوارات الطويلة والمقسمة على مشاهد قليلة نسبيًا، وذلك لحيوية الحوار وأداء الممثلان للأدوار الرئيسية دوكو ديميركول في دور سنان، ومراد سيمير في دور والده إدريس.
في النهاية شجرة الكمثرى البرية واحد من أجمل الأفلام التي عُرضت بمهرجان الجونة السينمائي وقبله في كان، وقد قدمته تركيا لقائمة الأوسكار الطويلة لأفضل فيلم أجنبي، لكن في ظل جودة الأفلام الأخرى المقدمة أعتقد أن فرصته بالفوز في ترشيح ضعيفة للغاية.