دعوني أستهل مقالتي هذه باقتباس شهير للشاعر عمرو حسن يقول فيه “أنا أبويا وحشني جدا ووحشني معاه حاجات بطلت أعملها وحدي من ساعة لما مات”.
أبي.. لن تسع مجلدات الدنيا للوفاء بدور أبوينا في تربيتنا وما وصلنا إليه من نجاحاتنا وما تركوه من بصمة في شخصياتنا، فإنني أؤمن أن وراء كل إنسان ناجح متزن نافع لمجتمعه وأسرته أبا وأما بذلا من الجهد والحب في إنباته النبات الحسن، وإن كنت صورة مصغرة من أمي في الروح والقلب، فإنني صورة مصغرة من أبي في العقل. وفيما يتعلق بكتابتي للشعر وعملي في مجال الترجمة فسوف تحكي سطوري القادمة عن دور أبي.
نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: الأستاذ محمود عوض
أبي معلم اللغة الإنجليزية الذي كان يجبرني على الجلوس في كل مرة يلقي على مجموعة من الطلاب محاضرة أو درسا في اللغة حتى ولو لم أكن كبيرة بما يكفي لاستيعاب ما يشرح “نهى خليكي معانا حتى لو مَش فاهمة حاجة بكرة تفهمي!” كما أنه كان يذاكر لي ويقرأ لي قصصا بالإنجليزية حتى تميزت دون أن أدري وسط أقراني لأنه كان يتعامل مع اللغة بحب وكان يدرسها لي ولطلابه بمنتهى الحب والإخلاص، فهكذا اعتاد على فعل كافة الأشياء إما أن يحبها فيقدم على فعلها من قلبه وروحه وإما لا يحبها فيعزف عنها تماما.
لم أتعجب حين كنت بصحبته بأحد الشوارع واستوقفنا شاب في أواخر الثلاثينات وانحنى وقبل يد أبي في دهشة منه ومني وقال له “أنا فلان كنت تلميذك مَش فاكرني يا أستاذ بهمن”. لم يكن أبي رجعيا ولا متخلفا ويحسب له أنه يسمح لي بممارسة نشاط الشعر والمسرح في أي مكان أحب لم يكن يمنعني من الاختلاط “بالأولاد” لأنه قد غرس بداخلي أن أراقب الله ولا أراقب الناس، لا أبالي بما يقولون، وأخطو بخطوات ثابتة في طريقي ولا أكترث لمن يدعون المثالية ولا يتوقفون عن الوعظ ليل نهار ويتشدقون بما لا يفعلون.
نرشح لك: فاطمة خير تكتب: أمينة النقاش ونبيل زكي.. شكرا
هكذا صنع مني فتاة واثقة من نفسها وقدراتها لا تخشى التجربة والخطأ، لا تخشى الفشل، ليست مهووسة بادعاء المثالية، وليست مهووسة بالجنس الآخر لأنها لا تعاني من كبت؛ فلا يشغلني سوى نجاحي واختبار السبل حتى أستكشف الطريق الذي يناسب عقلي وروحي وقدراتي، ربما لم أكن أدرك فضله علي في ذلك إلا حين كبرت ونضجت بما يكفي.
أبي كان ينتظر كل عمل جديد أو خبر صغير عني في جريدة أو لقاء تليفزيوني ثم يبتسم ابتسامة واسعة ويقول “أنا اسمي مكتوب” ، أبي الذي علمني أن جمال المرأة في ذكائها وفِي رجاحة عقلها وليس شكلها فحسب..
بابا.. شكرًا حبيبي لما قدمته لي ولأخوتي، رحمة الله عليك.