محمد عبد الرحمن (نقلاً عن المقال)
ستنتهي قضية ياسمين النرش أو سيدة المطار كما انتهت قضايا أخرى أثارت الرأي العام ثم خرجنا منها على مفيش، لكن قد تكون هذه القضية التي شغلت المصريين بعنف في اليومين الأخيرين مناسبة لإعادة التذكير بقواعد مهنية وأخلاقية تتجاوزها دائماً الصحافة المصرية “جمعاء” كلما توحش القراء والمشاهدين لمعرفة المزيد عن أي مقاطع فيديو مثيرة للجدل تنطلق عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فيما يلي أبرز خمسة أخطاء مهنية شهدتها التغطية الصحفية والتلفزيونية للقضية .
أولاً : النقيصة الأولى مرتبطة بما يمكن اعتباره عدم تحديد حد أقصى للمساحات المخصصة لتغطية القضية بشكل جعل المنشور خلال يومين فقط عن ياسمين النشر ربما يزيد عن ما تم نشره عن المؤتمر الإقتصادي الذي شهدته مصر في مارس الماضي، طوفان من الأخبار و الروابط والصور والموضوعات والتعليقات والملاحظات كلها تدور حول موضوع واحد، فكرة الملف الذي يجمع كل هذا لمرة وحيدة لم تعد متاحة عبر الصحف الإلكترونية، كل كلمة جديدة في القضية يتم تحويلها إلى خبر مستقل لتحاصر السيدة وتعبيرتها وصورها المقتطعة من الفيديو كل عين تبحث عن أي جديد في مصر دون جدوى، لا يوجد إلا “النرش” وهو ما يزيد تأثيره لمن يتابع أخبار مصر من الخارج، هؤلاء يشعرون بعد متابعة محدودة أنه لا يوجد في مصر أي شئ يحدث إلا ما فعلته “سيدة المطار”.
ثانياً : خطأ مشترك بين وزارة الداخلية والصحف، حيث سربت الأولى صورة الرقم القومي للنرش “وش وضهر” بشكل جعل بياناتها بالكامل متاحة للجميع وهو أمر مخالف للقانون لم يكن يصح أن يخرج من جهة منوط بها تنفيذه، والمشكلة أن الداخلية كانت تريد إثبات أنها قبضت على السيدة فظنت أن الحل هو تسريب صورة الرقم القومي، بينما الحل هو أن تعود المصداقية بين الناس والداخلية وهو حلم يبدو بعيد المنال فحتى الآن يوجد من لا يصدق أن السيدة “محبوسة” على ذمة القضايا وسط تأكيدات أنها في منزلها معززة مكرمة.
ثالثاً : كالعادة مع كل واقعة جديدة سواء كان بطلها شاب مصري انضم لداعش أو سيدة تعدت على ضابط بالمطار يهرع المفتشون إلى حساب بطل الواقعة على فيس بوك، ويقومون بتفسير كل المكتوب على هواهم ثم تحميل الصور ونشرها دون إذن صاحبها طبعاً، ليقوم الجمهور بتفسير الصور كل حسب أفكاره، والأهم أن هذه الصور غالباً ما تكون جماعية ما ينتهك خصوصية كل من يعرف بطل الواقعة بما في ذلك الأطفال وتصبح صورهم منشورة على كل المواقع الإلكترونية .
رابعاً : وكأن معظم مقدمي برامج التوك شو يؤكدون للجمهور أنهم يفكرون في مضامين الحلقات اليوم بيومه، حيث حصلت الواقعة على مساحات واسعة من “الثرثرة” في حلقات الأحد والإثنين من هذه البرامج، والأمر لم يتوقف فقط عند استعراض الواقعة وإعادة بث الفيديوهات كما هي ليراها الجميع، وإنما كل مذيع حدد موقفه من السيدة حسب انحيازاتها الشخصية، مذيعة تهاجم كل المتهمين وتعتبرهم مذنبين دون تحقيق، دافعت عن النرش لأنها كانت صديقتها في المدرسة، ومذيع يحب الداخلية أكثر من أسرته وأولاده لو كان بيده لطالب بإعدام النرش في ميدان عام .
خامساً : وهو خطأ مرتبط برابعاً، حيث كالعادة أدى الرغي الفارغ في التعليق عن الواقع لغياب أي تحليل أو معلومات من المهم أن يحصل عليها الجمهور ليخرج مستفيداً بشئ من كل هذا الصداع، مثلاً ما هو المتبع قانوناً في المطارات في حال حدوث مثل هذه المواقف؟ وما الذي سبق تحديداً دخول ياسمين النرش في هذه الحالة والأمر كله مرتبط برحلة داخلية، وإذا كان تم ضبط “حشيش” معها وكانت في هذه الحالة من “الهياج” ما هو الأسلوب المتبع أمنياً للسيطرة على المتهمين خصوصاً أننا في مطار دولي، وبما إن ضابط المطار كان يعلم أن الهواتف تصوره أي سيتم نشر الفيديوهات لماذا لم تستبق الداخلية الموقف وتنشر حقيقة ما جرى منذ اليوم الأول؟