كثيراً ما يجول بخاطري سؤلاً وهو، لماذا نتعلم ونسعى للحصول على شهادات جامعية؟؟ طبعاً سؤال غريب، وأي قارئ سيعدد أهمية هذا السعي، ومؤكد أني سأتفق مع معظم الأسباب، ولكن سأتبع سؤالي بسؤال أخر، وما هي قيمة الشهادة الجامعية التي لا تعترف بها الدولة؟؟
ولكن أرجوك أيها القارئ الكريم قبل الإجابة أن أقص عليك قصة واقعية عشتها بنفسي ومازلت أعيش تفاصيلها منذ فترة.
القصة تخص شقيقتي الصغرى، التي أشعر بإنها إبنتي وليست شقيقتي فحسب، تخرجت من كلية الآداب بجامعة عين شمس قسم اللغة العبرية بتقدير عام جيد، وبفروق طفيفة فصلتها عن تقدير جيد جداً، حرمها من تحقيق حلمها بأن تُصبح مُعيدة في الكلية، لن أقص عليك مدى تفانيها في دراستها وكم المبالغ التي صُرفت عليها طوال فترة دراستها، ولكنها برغم ذلك حددت هدفها وقررت أن تُكمل دراستها العليا والحصول على درجة الماجستير، وهي في هذه المرحلة بالفعل وتُجهز رسالتها، ومن بعدها الحصول على درجة الدكتوراة، كي تُحقق حلمها وتُدرس في الجامعة، ويكون لها مؤلفات وأبحاث.
أرادت أن تشعر بأن لها فائدة، فقررت النزول إلى سوق العمل، ونظراً لأنها تتكلم لغتان، الإنجليزية والعبرية، فتقدمت لمدرسة مودرن سكول الدولية للغات بمدينة الشروق للعمل كمدرسة لغة إنجليزية، وإجتازت كافة الإختبارات، وفي خلال فترة وجيزة برزت في المدرسة وحازت على إعجاب المدرسات اللاتي تعمل معهن كمدرسة مساعدة لهن.
بعد أقل من شهرين، أعلنت المدرسة أن هناك عدداً محدوداً لتعين بعض المدرسين، وإعتماد التعيين من قِبل الإدارة التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم، وطلبت إعداد كشف بأسماء المدرسين والمدرسات والموظفين الذين يستحقون لتعينهم، فكان لشقيقتي نصيب من ترشيحات العديد برغم قِصر فترة عملها، وبالفعل جهزت الأوراق المطلوبة، وإنتظرت قرار الموافقة والإعتماد من الإدارة التعليمية، ولكن كانت المفاجأة، وهي رفض الإدارة التعليمية أوراق تعينها، هل تعلم عزيزي القارئ ما السبب؟؟ سبب الإعتراض أنها ليسانس أداب (عبري)!!! نعم، لهذا السبب رُفضت أوراقها، وحينما إستفسرت من إدارة المدرسة أفادوها بأن شهادتها تتطلب موافقة أمنية أولاً قبل قبول التعيين، فأفادتهم أنها على إستعداد من إحضار الموافقة الأمنية بنفسها، وأنها تثق تماماً في موقفها الأمني، فأفادتها الإدارة بعدم قبول ذلك، فالموافقة الأمنية تكون من خلال مخاطبات مباشرة بين الإدارة التعليمية بالوزارة والأجهزة الأمنية المعنية، ووعدوها بإعادة المحاولة.
إنتظرت لفترة آخرى، حتى أبلغتها إدارة المدرسة برفض أوراق تعينها مرة آخرى، ودون أن تخاطب الإدارة التعليمية الأجهزة الأمنية للموافقة، وقالوا لها “من الآخر المشكلة في إنك أداب عبري، ودي ممكن تعمل مشاكل، فهم قرروا يريحوا دماغهم من منطلق الباب اللي يجي لك منه الريح سده واستريح”.
وحينما أرادت شقيقتي أن تسحب ملف أوراقها طلبت منهم، بناء على نصيحتي لها، أن تأخذ صورة ضوئية من قرار الرفض، لأن من المنطقي أن تكون الموافقات أو الرفض بناء على مخاطبات رسمية بين المدرسة والإدارة التعليمية، وكان الرد صادماً “الرفض جاي مش مكتوب ولكن شفهي، وفي الحالة دي المدرسة هتعتبر نفسها ما أرسلتش أوراقك أصلاً، لأن الرفض المكتوب في الحالة دي غير قانوني، والإدارة التعليمية مش هتلبس نفسها مشكلة قانونية، ومن الآخر المدرسة مش هتخسر علاقتها بالإدارة التعليمية في إصرارها على تعينك، فريحي نفسك، لكن فيه طريقة تانية للتعيين، إنك تقدمي ورقك بمؤهل الثانوية العامة، وساعتها هيتم الموافقة على تعينك ولكن للعمل (كمشرفة باص) لكن فعلياً هتفضلي زي ما إنت مدرسة إنجليزي، ومش هتكوني مسؤولة عن فصول، بس المهم لما يجي إشراف من الوزارة أو الإدارة التعليمية هتداري لغاية ما يمشي، أو إنك تكملي معانا في المدرسة كمدرسة إنجليزي ولكن بدون عقد”!!!!
إلى هنا إنتهت قصة شقيقتي، والألم يعتصرها عن سنوات عمرها التي أهدرتها في التعليم، حينما تجد أن شهادتها منبوذة، وعليها التخلي عنها والتعامل بالشهادة الأقل لكي تُعين، وكأن شهادتها الجامعية عارٌ يلاحقها، علماً بأن الدولة موافقة على تدريس اللغة العبرية في جامعتها، ومخصصة لها كلية، وهناك العديد من مراكز تعليم اللغات بها هذه اللغة، بل ومعهد القوات المسلحة للغات يدرس هذه اللغة، وشقيقتي أخذت (كورسات) مكثفة برغم دراستها لتتمكن من هذه اللغة وإجادتها إجادة تامة تساعدها في تحقيق ما تصبو إليه.
شقيقتي لم تطلب من الدولة تعينها في وظيفة حكومية، وتوجهت للقطاع الخاص، لم تُزيد أعباء الدولة بمرتب يصرف لها، فلماذا لا تتركها الدولة تشُق طريقها؟ ولماذا تسير بمنطق (لا بترحم ولا تسيب رحمة ربنا تنزل)؟؟
الآن عزيزي القارئ أتركك كي تُجيب على السؤال الذي ذكرته في البداية، ما هي قيمة الشهادة الجامعية التي لا تعترف بها الدولة؟؟؟
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر من هنا