لا أذكر سني تحديداً عندما دار الحديث التالي في سيارة والدي «الأستاذ منير» كما ينادونه بعد مرافقتي له ليوم كامل في مجلة «صباح الخير». سألته: «هو أنت بتشتغل بقى لك كثير صحافي يا بابا؟»، فأجابني: «20 سنة». فقلت: «يااااه، كتير أوي! هو الصحافي ده حاجة مهمة؟»، فردّ: «لو مستقل وبيفكر صح يبقى أهم من أي حد».
لا أعرف كيف بدأ هذا الحوار أو سببه، لكن يبدو وأنا أتمّ عامي الخامس والعشرين في عملي على الشاشة، يبدو أنه بقى حاكماً ومؤثراً على امتداد العمر.
هل كبرت؟ هل صار لديّ ما أحكيه؟ ربما. الأكيد، أن الصحافي على اختلاف وسيلته يملك الكثير من القصص. لكل خبر قصة، ولكل حوار على الهواء ما جرى قبله وبعده.
التفاصيل كثيرة ولا يمكن استدعاؤها دفعة واحدة، كما أن كثيراً منها لم يَحِن الوقت له.
ربما تكون القصة المشتركة بيني وبين المصادر على تعددها وتنوع مستواها هي تلك التي أملكها أنا. قصة بدأت منذ ربع قرن، وأستطيع القول بقدر من الثقة والثبات وحمد الله وشكره إنها مستمرة كما بدأت. هذه مقتطفات من أوائل الأيام وحتى وقت قريب.
نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: A star is born .. الحب لا يتحمل الشهرة!
يومي الأول كمراسل شاب، والمهمة مناسبة رياضية صغيرة. اجتهدت في التغطية بحماس التجارب الأولى، وفي ختام اليوم، وجدت رئيس اتحاد الرياضة المسؤول عن الحدث يسلمني مظاريف بيضاء بعدد أفراد طاقم العمل. اعتذرت عن قبولها بحسم وغادرت وعلى وجهه اندهاش وبعض الغضب. كان الأمر عرفاً معتاداً. وصلت إلى مقر عملي ليسألني أستاذي حسن حامد عما حدث في مهمتي الأولى. اندفعت أحكي وختمت قائلاً: «يا أستاذ حسن لو قبلت ما عُرض لتحولت فوراً من ندٍّ له لأجير عنده».
ابتسم أستاذي العزيز راضياً وداعماً.
مرت الأعوام وأنا أعوم في بحار مفتوحة، أتعامل مع كل حدث وكل شخص. أتفهم ولا أتبع. أتقدم قليلاً وأتراجع قليلاً. فقط أحاول إتمام المهمة بإتقان ما استطعت إليه سبيلاً.
منذ أيام يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران)، تبدو مشاهد التغيير في الشارع، والصراع علي الشاشة وخلفها، فتكون دعوات الأم بالتوفيق والسداد من رحمة الخالق، تماماً كما دعم الزملاء في فريق العمل. كلمات مطمئنة ودافعة من رفيق العمر، المدير والصديق محمد عبد المتعال: «خليك زي ما أنت يا شريف بالظبط. إحنا اللي ح نكسب في الآخر».
تنتهي أحداث، وتبدأ أخرى. يأتي للاستوديو، مثلاً، أشخاص بصفة المرشح الرئاسي التي لم يعرفها جيلي من قبل، أو مسؤول يعلن استقالته على الهواء معي. عاملتهم جميعاً بكل ما أستطيع من تقدير واحترام، لكن ليس على حساب السؤال أبداً. لم أسع لما أسمّيه «لحظة اليوتيوب». تلك التي يشار إليها بالنارية أو الصادمة، وعليك أن تشاهدها دائماً «قبل الحذف». في عملي أخطاء بطبيعة الممارسة لكنها ليست خطايا أميل إلى حذفها. أبحث فقط عن إجابة كاشفة أو فكرة هادية من حق السيد المشاهد.
في ندوة عامة مع شباب على عتبة الزمالة، فكّرت أن إجاباتي قد تكون هي الأخرى عناصر من مشاهد في المرآة الخلفية لطريقهم في يوم ما. قلت لهم ما تعلمته في سنواتي الـ25 محاولاً الالتزام بصيغة «تويترية» تقترب من عصرهم: «ماتخليش عينك على جيب غيرك، ولا عقلك شقة لأفكار غيرك… اختار أساتذة تحترمهم، واشتغل مع فريق عمل شبهك… الباقي مش كيميا، ح تتعلمه بالوقت».
لكني خفت من صورة الناصح صاحب الخبرة، فختمت بما قاله العظيم محمود درويش، كأني أذكّر نفسي أولاً: «مَن أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟».