“هل يكفي أن تقرأ كتاباً عن فن قيادة السيارة كي تصبح سائقا؟ لابد من وجود مدرب.” هكذا قال لي أستاذي صالح مهران في نقاش حول مهنة المتاعب:الصحافة.
مشكلتك الأولى مع الصحافة تبدأ بقرار الالتحاق بها سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئية. تتسلل للالتحاق بمؤسسة إعلامية بأن تحمل لقب متدرب بها، وتصطدم بأول واقع مرير: أنت مدرب نفسك، عليك أن تلاحظ وتلتقط وتراقب ما يحدث من حولك وأنت وشطارتك في اكتساب الخبرة، أيضا أنت وحظك في أن يكون من حولك أهل لأن تتعلم منهم.
تصبح مراسلاً تلفزيونياً وتبدأ صدمة جديدة، صدمة التعامل مع الأمن والجمهور وفي بعض الأحيان مدير بلا ضمير. أمن يراك دائما عدواً تريد تشويه صورة بلدك، والا بماذا تفسر هذه المرات التي تم منعك من التصوير أو مصادرة شرائطك لمجرد أنك صورت وقفة احتجاجية أو إعتصام لعمال لم يحصلوا على أجورهم أو منكوبين يريدون تعويضات عن منازلهم المنهارة؟! جمهور غاضب قد يحطم كاميرا لأنك في محكمة أصدرت حكم لم يأتِ على هواهم، أو قد يتهمونك بالكفر لإنك تظهر أراء المختلفين عنهم دينيا، أو مدير بلا ضمير يطلب منك بلا خجل أن تقتطع كلاما من سياقه ليخدم وجهة نظر واتجاه سياسي محدد!
الصورة ليست بعيدة عن ما يحدث في الاعلام الرسمي، وهنا أتذكر كيف أجبرت على مناقشة الجمهور في الراديو الرسمي حول رأيه في مباراة كرة قدم يوم ٢٥ يناير وقراءة نشرة إخبارية لا تمت للواقع بصلة يوم ٢٧ يناير، الأمر الذي دفع المسؤولين في ذلك الوقت إلى تجنيبي العمل على الهواء حتى الحادي عشر من فبراير ٢٠١١ تجنباً للصدام.
اتجه الى العمل في التلفزيون وتبدأ مشكلة جديدة بالتوازي مع الاحداث السياسية في الشارع، الجمهور يريد أن يعرف أكثر، وقلة من المؤهلين للحديث، وانغماس أكثر في المحلية، لتخرج النتيجة عشرات الساعات على الهواء مع فقر في الصورة والموضوع والاستماع لنفس الاراء وحصار من نفس الضيوف حتى لو اتخذت القرار الشجاع بأن تغير المحطة!
يظل الوضع السياسي يؤثر وتبدأ ساعات الهواء الطويلة تنحصر والممنوعات والخطوط الحمراء تزداد، حتى وإن لم تأتِ بشكل صريح من الادارة، فيكفي أن تتأمل ما يحدث من حولك لتعرف ما هي خطوطك الحمراء، صحفيون في السجون بلا تهمة واضحة، وأخرون محجوبون عن الظهور أيضا بدون تعليمات واضحة، وجمهور قرر أن يكون رقيبا عليك، ويتهمك بالخيانة العظمى حتى ولو اتخذت قرارا بأن تكون محايدا موضوعيا تنقل جميع الاراء.
أتابع الصحف يوميا لاختار مادة مناسبة للعرض من خلال برنامجي سواء المحلية أو الأجنبية لاصطدم بالواقع الجديد، وللمفارقة أنتقل من كوني مراسلة في الشارع قريبة من الحدث إلى مراقبة ومتابعة لما يحدث في أركان صاحبة الجلالة..الصحافة المصرية تحتضر!! لا مجال لتقارير وتحليلات عميقة للشأن العربي والدولي تستحق المطالعة، مقالات رأي لا تخرج عن إطار الجمل الانشائية، محاولة بائسة لمحاكاة صحافة الببارازي الأجنبية، وافساح المجال لصحافة ” الدروس الخصوصية”..
فالطالب الذي اعتاد على الدروس الخصوصية واعتاد على “ذاكر بس الكام ورقة دول والامتحان مش هيطلع عنهم” أصبح صحفيا يكتب موضوعات من نوعية ” عشرة معلومات لا تعرفهم عن فلان الفلاني”، ناهيك عن الترجمة المغلوطة في كثير من الاحيان وكسل البحث عن المعلومة، صحافة بعيدة عن تلك التي تقرأها خاصة في الصحافة البريطانية التي لا تكل ولا تمل عن تقديم مادة دسمة وجذابة تحترم عقل قارئها وبكل الفنون الصحفية ما بين تقرير وتحليل وكاريكاتير ومقالات الرأي والرأي الأخر.. يا للعجب على نفس الصفحة!
هذا لا يعني عدم وجود صحفيين يبذلون جهدا مضاعف للوصول لمعلومة في ظل غيابها “لا حجبها كما يعتقد البعض”.. يسبحون ضد التيار ويحاربون طواحين الهواء، ويقاومون الاغراءات..
تصيبني خيبة الأمل والاحباط، ولكن لا أعرف مهنة أعشقها غيرها، فهل من أمل؟!
.