نقلًا عن “الدستور”
لماذا نتحدث الآن؟
لعنة المسار.. وحتمية المصير
من السهل على غير المتخصصين في الإعلام أن يهيلوا عليه التراب؟
إذا قلت ما يرضى الناس أبدوا إعجابهم الشديد بك، علقوا فى عنقك شهادة بأنك موضوعي وصادق ودقيق وتراعي مصلحة الوطن.
وإذا زلّت قدمك، وقلت ما لا يرضيهم، وضعوك على المقصلة، لعنوك، وانتقصوا من قدرك، واتهموك بأنك منحاز وغير مهني وغير موضوعي ولا تعمل من أجل الوطن.
تجد نفسك وأنت تمارس عملك الإعلامي موضوعًا بين قوسين، كل طرف يريد أن يجذبك إليه، ولو جربت ووقفت في المنتصف، تجد الاتهامات آتية إليك بلا رحمة من الطرفين.
ربما لهذا ولغيره الكثير، دخل الإعلام المصري في حالة من التيه.
فهو لا يرضي أحدًا، والمفاجأة أنه لا يرضي العاملين فيه، ولو جربت وجلست ضمن مجموعة من الإعلاميين، ستجدهم يتحدثون بغضب عن الإعلام، ولا بد أن تتحير بالطبع، فإذا كان العاملون في سوق الميديا يمتلكون كل هذا الغضب، ويحملون على أكتافهم كل هذا الاستياء، فمن هو المسئول عن هذا الخراب المقيم والدائم والمتجدد الذي تسبح على سطحه المهنة، التي هي في أساسها واحدة من أدوات الأمن القومي المصري.
نرشح لك: مشاهد من 25 سنة إعلام يرويها شريف عامر
هنا لن أكون مدافعًا عن الإعلام، باعتباري واحدًا ممن عاشوا في رحابه ما يزيد على عشرين عاما، قضيتها جميعها في مطابخ المهنة وأعرف عن قرب التشابكات التي حكمت وتحكمت وصاغت ووجهت المحتوى الإعلامي، وهي تشابكات من الصعب أن يتدخل أحد للفصل بينها، فعلى ما يبدو أن الأقدار نسجتها على هذه الشاكلة، ومن الصعب على من ينظر إلى المهنة من خارجها أن يفهم مسارات هذه التشابكات أو تجلياتها.
وهنا أيضا لن أكون جلادًا للإعلام المصري، رغم أننى وبحكم معرفتي بالكثير – أغلبه لا يصلح للنشر – يمكنني أن أفعل ذلك، لكنني لا أهوى حفلات الندب الجماعي والبكاء المتواصل على ما انسكب من أحبار بلا فائدة وتطاير من أخبار بلا عائد وتناثر من أموال بلا مكسب حقيقي.
يمكن أن نضع ما سأرويه هنا وهو كثير جدا تحت مظلة فهم ما جرى للإعلام المصري خلال سنوات توهانه وسيولته، حتى وصلنا إلى مرحلة حرجة، يضع الجميع بين يدي الاعلام فيها مسئولية حالة التردي العام الذي نعاني منها.
ستلمحون فيما أكتبه بعضًا من القسوة، وهي مطلوبة.
وستجدون بعضًا من الاعتراف باعوجاج الحال مع إشارة واضحة لمن أوصلنا إلى هذا النفق.
وستعثرون على رؤية لمسار مهنة أصبحت بائسة في انتظار مصير أكثر بؤسًا، ولن أدعك بعيدًا عن رؤية أخرى يمكن أن تعتبرها قلبا للمائدة على رؤوس الجميع.. فلا تلوموني إذا وجدتم ما يرهقككم أو يغضبكم.
وستسمعون بعضًا من النميمة التي ربما تكون محببة إليكم، أعرف جيدا أنكم تحبون التلصص على سيرة هؤلاء الذين يتلصصون على سيرة الجميع، وعندما تعترض طريقهم، تجدهم يقولون لك أن هذا عملهم الذي يكلفه لهم القانون، بل ويحميهم أيضًا.
وربما تجد فى النهاية بعضًا من الضوء الذي يعيننا على الخروج من نفق إعلام ظل طويلا لا يقوم بدوره الذي يريده الناس، ويكون سندًا لدولة تريد أن تنهض.
لن أطلب منكم السماح إذا رأيتم في بعض ما أكتبه هنا ارباكًا للمشهد الإعلامي الآن، فحتى نعيد ترتيب أوراق اللعب، فعلينا أن نبدأ بتفنيطها من جديد، وإلا سنجد أنفسنا في دوامة لا تنتهي.
يعرف الجميع أهمية الإعلام وقوته وقدرته على التأثير، ولأنني أعرف كما يعرف غيري أن هذه الأداة معطلة بدرجة كبيرة، فليس علينا إلا إيقاظ من يقومون عليها، لأن تركها على حالتها لن يفيد أحدًا، اللهم إلا هؤلاء الذين يكيدون لهذا الوطن ليل نهار، دون أن يجدوا من يقطع عليهم الطريق.
لا إصلاح دون ضحايا، وأعتقد أن الإعلام المصري أصبح مطالبًا بتقديم ضحايا اليوم وليس غدًا.
شاهد.. صور التقطت قبل وقوع أحداث مأسوية