كونترول رووم، سلسلة تعني بالأساس بمجموعة العاملين داخل الاستديوهات المغلقة، أعي ذلك تماماً، وأعلم أن هناك مجموعة من المهن داخل تلك الغرفة المظلمة لم نتطرق إليها بعد، لكنني أتصور أن قارئ تلك السلسلة ينتظر الحديث عن “الناس اللي فوق” .. الرؤساء والمديرين والقامات الذين نسمع أسماؤهم الطنانة ويتصدرون صفحات الجرائد بصورهم اللامعة.. وأنا في واقع الأمر أتمنى أن أتحدث عن هؤلاء جميعاً من باب أهميتهم بطبيعة الحال، ومن باب طرح وجهة نظري لكم عن ماهية أباطرة الإعلام في مصر… وبلا المزيد من اللت والعجن، دعنا نبدأ من الزغلول الكبير… الملمع دائماً.. صاحب الدكان.
المحطات الفضائية الخاصة، يملكها رجال أعمال، ورجال الأعمال يحسبون أن في امتلاك القنوات الفضائية بعض “البرستيج”، كحالك عندما تمتلك سيارة فخمة بين أصدقائك ملاك السيارات الكورية.. فهذا هو حال بعض رجال الاعمال – كما أتصور-، فحين يسهرون سوياً مستعرضين إنجازاتهم الاستثمارية بالبلاد، فإن هناك الكثير من البرستيج المصاحب لقلة منهم تمتلك قناة أو مجوعة قنوات فضائية .. هذا مفهوم ومقبول ولا داعي لكراهية الأمر خاصة أنهم بهذا يوفرون المئات من فرص العمل لأمثالي من أبناء الكار.. سيكون هذا على قلوبنا زي العسل.
ولكن المشكلة الحقيقية في امتلاك رجل الأعمال لمنصة إعلامية ما، أنه دوماً ما يستغلها لتعضيد وجهة نظره في الأمور المختلفة، الدعاية الفجة والمباشرة والتطبيل لرجال السياسة ونجوم الدين والفن والمجتمع الذين تربطهم بصاحب القناة علاقة جيدة، وطرد ونبذ والهجوم –غير المبرر أحياناً- على رجال السياسة ونجوم الدين والفن والمجتمع الذين تربطهم علاقة سيئة أو علاقة ليست بالطيبة بالسيد صاحب رأس المال.. وهو أمر يعضد هنا إلغاء فكرة الإعلام المحايد أو حتى الاعلام صاحب وجهة النظر، ليتحول إعلامنا مع الوقت كحيوان أليف مربوط في سلسلة ذهبية يمتلكهما فلان الفلاني، الذي يحب فلان ويكره سياسات علان، ويستثقل دم فلانة ولا يأخذ براي الشيخ علان … وهنا تتجلى المصيبة في أوضح صورها، أن يصبح صاحب رأس المال هو رئيس التحرير!!
قبل سنوات، وفي أحد الاجتماعات التأسيسية لإحدى المحطات الفضائية قبل إطلاقها بأيام، هب السيد (رئيس المحطة ومدير البرامج بها والمشرف العام عليها) وهو شخص أحترمه وأقدره كثيراً كثيراً حتى هذه اللحظة، وأُشهد الله أنه عاملني منذ البداية كاخ أصغر، زائد أنه (بيفهم) فعلاً.. هب من مكانه حين رن هاتفه وخرج من المكتب ليعود إلينا بعد دقائق قائلاً بابتسامة واسعة ما نصه:
– السيد ريس التحرير بيقولكم.. إننا هنلغي البرنامج الفلاني من على الخريطة اساساً وهنحط مكانه برنامج بيتكلم عن كذا …. والسيد رئيس التحرير طبعاً هو (…..) رجل الأعمال صاحب المحطة/ الدكان.
أقسم أن هذا حدث بالفعل، أقسم انني لم أزد حرفاً من عندي وإن كنت تجنبت ذكر الأسماء سواء أسماء البرامج أو الاشخاص منعاً للإحراج… وقياساً على ماسبق، فلك ان تتخيل أن رئيس محطة، يعلم الجميع انه (بيفهم) في الشغلانة، وله وجهة نظر ومنطق يُقَدِرهُ من أجله الجميع، يجد نفسه مضطرا للإنصياع لأوامر شخص آخر لا علاقة له بالإعلام مهما كان غباء أو خطأ هذه الأوامر ، فقط لأنه صاحب رأس المال… لأنه الزغلول الكبير اللي بيأكلنا كلنا.
ولك أن تتخيل، أنك كمعد برامج أو منتج فني أو رئيس تحرير، تعلم أول ما تعلم في بدايات عملك في المحطة مجموعة من الثوابت منها خطوطك الحمراء في السياسة وخطوطك الحمراء في الضيوف، بمعنى ان “الزغلول الكبير” لا يحب الفنان الفلاني مثلا، فيصبح هذا الفنان من المطرودين من جنة تلك القناة حتى وإن قدم عملاً فنياً “كسر الدنيا”.. أو أن يرفض السياسي الفلاني التعامل مع القناة التي تعمل بها لأن “الزغلول الكبير” – في رأيه- منافق وابن كذا كذا … تخيل المأساة التي يحياها العاملين بتلك المحطات، والمضطرين دوماً إلى وضع تلك الأمور في حسبانهم دوماً قبل النظر إلى القيمة المعرفية التي يجب عليهم تقديمها للمشاهد.
الزغلول الكبير في مصر صاحب شركة أدوية.. صاحب شركة استثمارية تعمل في مجالالاتصالات.. صاحب شركة استثمارية ضخمة تعمل بالعقارات.. أو رجل من رجال الصناعة والتعدين.. رجل من كبار تجار الفاكهة، أياً كان مصدر ثروته، فهذا لا يخصني كعامل بالحقل الإعلامي، فأنا كل اهتمامي يدور في فلك ماكينة الـ ATM الحبيبة وما تقذفه لي من رواتب مطلع كل شهر، والتي لن تستمر في هذا إلا لو احترمني المشاهد، وتابع عملي، فاحترمني المعلن وعلم قيمتي، فأتت الاعلانات بخيراتها.. فنقبض رواتبنا بانتظام.. وهذا لن يحدث إلا بابتعاد الزغلول الكبير عن التدخل في السياسات التحريرية والإعلامية للمكان الذي يعطيه البرستيج الأكبر بين كل مشروعاته…. فلو (إدينا العيش لخبازه) سنأكل عيش كلنا بمنتهى السلاسة، أو هكذا أتصور
لكم المودة بلا حدود.