نقلًا عن المصري اليوم
مع رحيل أحد فنانينا نبدأ فى تذكره والحديث عن عطائه، بينما وهو حى يرزق ويتنفس بيننا نكتشف أننا لم نمنحه فى سنواته الأخيرة سوى التجاهل والنكران، وهكذا مثلا قبل نحو عشرة أيام عندما غادرنا أحمد عبد الوارث عاد اسمه يتردد فى الفضائيات وصورته تتصدر الجرائد، لا أحد اهتم قبلها ليسأل، لماذا لم يعد على الأقل فى السنوات العشر الأخيرة على قائمة الترشيحات الفنية؟، ليعيش بعدها نهبا للاكتئاب، وتضعف بالضرورة مقاومته النفسية والجسدية فتتكاثر عليه الأمراض.
الفنان بالطبع فى مشواره يتأرجح بين لحظات ذروة وألق وأخرى يخبو فيها الضوء ويتضاءل الوهج، والتليفون الذى كان لا يتوقف عن الرنين ما بين مخرج يرشحه لدور، ومنتج يتعاقد معه، ومعجب يعبر عن هيامه، يصاب الجميع فجأة بالخرس، وفى تلك الأثناء تأكد أن كلمة صادقة تُقال فى صالحه تعيد له التوازن.
نرشح لك.. وفاة غنوة لم تُوقف الجدل .. هذه المرة مع زوجها السابق
كم أسأنا لفنانينا عندما أدار الزمن ظهره لهم، والأمثلة متعددة، ربما كان إسماعيل ياسين أحد العناوين الصارخة، حيث كان اسمه على أفيشات الأفلام هو (تميمة) النجاح، ولكن منذ منتصف الستينيات بدأت الدنيا تُكشر له عن أنيابها، وأفلامه تتذيل قائمة الإيرادات، والديون تتكاثر عليه، نعم عانى إسماعيل ماديا، ولكن أرى أن المعاناة الحقيقية لم تكن فى تضاؤل المال، ولا حتى فى عودته للعمل مونولوجيست فى شارع الهرم، ولكن عندما لم يفكر أحد فى إعادته للميدان الفنى، أو حتى يمنحه جائزة ويقول له كم أسعدتنا يا (سُمعة)، كنت ولا تزال بهجة حياتنا.
بيننا فنانون فكوا شفرة الزمن، مثل فاتن حمامة ظلت طوال حياتها وهى محط اهتمام الجميع، وحتى اللحظات الأخيرة كانت ترشح لبطولة الأفلام وتنهال عليها التكريمات، بينما هناك فنانون مثل مريم فخر الدين، لم يقل لها أحد شكرا إلا بعد رحيلها.
أتذكر نجمة الكوميديا منذ الأربعينيات زينات صدقى عندما قرروا تكريمها فى عيد الفن قبل 40 عاما، وأحضروا لها فستاناً تصعد به على المسرح لاستلام الجائزة من رئيس الجمهورية أنور السادات، لم تكن قادرة على شرائه، وفى تلك اللحظة فقط قالت شعرت بأننى أتنفس الحياة، وبعضهم رحل وهو يعيش القهر والعوز مثل عبدالفتاح القصرى ورياض القصبجى وفاطمة رشدى والقائمة طويلة.
كُثر من الفنانين اعتبروا أنفسهم جنودا لا يغادرون مواقعهم حتى كلمة النهاية، مثل محمود المليجى الذى كان يقول (أتمنى أن أظل جنديا فى الميدان على أن أجد نفسى جنرالا متقاعدا)، وتحققت رغبته ورحل أثناء تصوير مشهده الأخير من فيلم (أيوب) أمام عمر الشريف.
ليس كل الفنانين قطعا لديهم موهبة محمود المليجى، ويتمتعون بمرونة تؤهلهم للتعامل مع الزمن مثل فريد شوقى، ولكن أرى أن على نقابة الممثلين دورا هاما وهو حصر أسماء الفنانين الذين صاروا خارج الخريطة أو على أطرافها، وتتواصل النقابة مع شركات الإنتاج، والمخرجين لإعادتهم للحلبة الفنية مجددا، وذلك قبل أن يغادروا حلبة الحياة والحسرة تملأهم.
أهدوا لهم وردة وهم بيننا، بدلا من أن تضعوا مليون باقة ورد على قبورهم!!.
شاهد| نهايات مأسوية لنجوم الفن..