يقول باولو كويلو “كي تصل إلى كنزك عليك أن تكون يقظًا للعلامات”.
جميع البشر صغارًا وكبارًا يرسل الله لهم علامات، القليل من يتأهب ويستعد لاستقبالها واستيعابها، تلك العلامات تعتبر المعادل البشري لوحي للأنبياء، نحن البشر أقل، لكن في كل الأحوال طوال الوقت يبعث الله لنا الرسائل، لتكون مؤشرات للتحولات الكُبرى في الحياة.
المساحة هذه المرة لإنعام سالوسة، وبالأخص الإجابة عن سؤال واحد يختزل بداخله عشرات الأجوبة، “كيف تخلصت نعمة من المُر الذي كان في حَلقها في ذئاب الجبل، وحولته إلى ابتسامة محببة وخفة وحضورٍ طاغٍ في عسل أسود” ؟
ذئاب الجبل أحد أشهر وأهم كلاسيكيات الدراما المصرية، وهو محفور في وجدان كل مصري، المسلسل إنتاج 1993، يدور في الصعيد ويحكي العصبية والقبلية والعادات والتقاليد شديدة الوطأة على النفوس والتطلعات … لعبت فيه إنعام سالوسة دور “نعمة” زوجة علوان ..العملاق عبد الله غيث الذي يُمثّل أبرز ذئاب المسلسل وأكثرهم وعورة وخطورة ودهاء.
ونعمة هنا مغلوبة على أمرها، تخاف وترتعب من هذا الماكر، تكتفي بجملة شهيرة “يا مُرك يا نعمة” وعلامات البؤس على وجهها، أحيانًا تبكي وأحيانًا تأن وأحيانًا تصمت ..
يمر 17 عامًا على نعمة، وتتحول النقمة إلى نعمة حقيقية، ويتحوّل البؤس إلى ابتسامة عريضة، وتصبح نعمة أُم لسعيد وابتسام ونوسة، تتغير الملامح بتلك التحولات الكُبرى، تتغير معها الأدوار ونبرة الصوت، وبعد مرور 17 عامًا لم تزل الظروف صعبة، وسالوسة المنتقلة من باطن الصعيد إلى القاهرة لاتزال تكابد الظروف الصعبة والمشاكل المادية وضيق الحال، لكنها أصبحت أكثر صبرًا وصمودًا وخبرة في معترك الحياة، تحوّل المر إلى شهد عبر الإفيهات المنتشرة خلال أحداث الفيلم الذي يتحول هو بمرور الوقت من فيلم ناجح إلى فيلم ضمن أنه سيعيش بيننا طويلاً
نرشح لك: 11 تصريحًا لأشرف عبد الباقي..أبرزها عن الفرق بين مسرح مصر و”جريمة في المعادي”
جرى نحت المُر لإفيه بسيط، إعجاز فني حقيقي وليس مثل الإعجاز العلمي الكوميدي المنتشر هذه الأيام !
ورغم الضيق وبقاء سعيد ابنها الأكبر في المنزل لسنوات بدون عمل وقلة ذات اليد لكنّها تحافظ على بقاءها مبتسمة تقوم بدورها في الأسرة على أكمل وجه.
وبكل بساطة تستطيع تحويل جملة عادية إلى إفيه ناجح بمجرد تمرير الإفيه بتعبيرات الوجه التي لا تحتاج أحيانًا إلى كلمات …
“قوم يا بغل من هنا، أنا؟ … لا، مش أنت البغل التاني”
وما بين ذئاب الجبل وعسل أسود عشرات الأعمال الناجحة، كانت فيها سالوسة متيقظة للعلامات، واستطاعت تحقيق قفزات كبيرة ومدهشة.
إنعام سالوسة مثال صارخ أن الموهبة تخترق كل الحواجز، الموهبة لا تقاس بالمساحة، ففي فيلم طلق صناعي ورغم تاريخها الطويل تشارك بمشهد واحد !
لكنك تخرج من الفيلم وهي عالقة بالذاكرة، ملتصقة بجدار المخ، حتى ولو كان الظهور لمرة واحدة، تقبله بشكل احترافي، وتواضع وقدرات كبيرة كما العتاد.
يقول عنها خالد دياب مخرج الفيلم: أنت تتحدث إليها وكإنك تتحدث إلى شخص على المستوى الذهني يبلغ من العمر عشرين عامًا، ذكيَة جدًا، تلتقط التفاصيل في ثانية، تعرف كيف تُخرج الضحك من قلب الجد…
وإنعام سالوسة في ذاكرتك ستجدها منظمة إلى حدٍ بعيد، ترتكز على محطات قوية لا يمكن أن تنساها.
في 2001 تقوم بدور هو أحد أهم أدوارها على الإطلاق وأنجحها في مسلسل “النساء قادمون” حيث كانت تلعب دور “أليس” الزوجة المتدينة بشدة والمحافظة للغاية، حيث كانت تحفظ آيات الإنجيل عن ظهر قلب وترددها في كثير من الأحيان لإقناع زوجها، وفي العديد من المواقف يحدث بينهما خلافات وشجار مستمر يمثل كوميديا الموقف الناجحة، بشراكة أكثر من مقنعة مع الزوج “بطرس” والذي قام به محور الكوميديا الممتد عبر الأجيال “حسن حسني”.
ما أذكره خلال العرض الأول للمسلسل أن نجاح دور “أليس” دفع البعض للسؤال عن ديانة الفنانة إنعام سالوسة نظرًا لإتقانها للدور بشكل لافت وحفظها لآيات الإنجيل ببراعة !
في العام نفسه كانت جزء من نجاح تاريخي لمسلسل “عائلة الحاج متولي” الذي جرت محاولات لاستنساخه فيما بعد لكن دون جدوى….
شكلت ثنائيًا قويًا مع “ماجدة زكي” خلال أحداث المسلسل منذ أن ظهرت الأخيرة في الحلقة السادسة، بالدرجة التي جعلت المشاهدين ينتظرون المشاهد التي تجمع الثنائي في كل حلقة.
من ينسى إفيه “إن شاء الله، وألف ألف مبروك” في فيلم عايز حقي بعد أن جرى إعادة اكتشافه فيما بعد حداثة مواقع التواصل وتصارع عالم الكوميكس المجنون !
في السينما الوضع لم يتغير، بل كان الإبداع من البدايات، فمن خلال فيلم “لك يوم يا بيه” أدت مشهد من أجمل المشاهد، وبجدية شديدة وملامح غاية في الصرامة تكشف عن طبيعة الموظف الرتيبة
وصل ذروة الإبداع في “الحرب العالمية التالتة” والذي شهد نجاح الثلاثي “أحمد فهمي، شيكو، هشام ماجد” فجاءت أنجح المشاهد في الفيلم التي جمعت أحمد فهمي بإنعام سالوسة، والجملة العبثية الشهيرة التي قالتها في الفيلم:
“أنا الملك مخروق، أنا الروح الكامنة في البيضة المقدسة أنا من يملك المفتاح وصديق الفلاح في مزارع التفاح….”
عشرات الأعمال، ونجاحات متواصلة، هنا كانت مساحة ربما كانت مؤثرة لدى كاتب السطور، ربما لديك أعمال أخرى أكثر تأثيرًا، المساحة هنا تناول من باب “التبعيض” جزء من كل رائع وعظيم، وهو الممتع حين تكتب عن إنعام سالوسة صاحبة الأدوار الرائعة الممتدة، وهو أيضًا المزعج، لأنه حتمًا سيأتي قاريء ليقول لك “كيف تنسى الدور الفلاني؟”
لم أنساه، لكن حتمًا لو كتبنا عن كل الأدوار لن يتوقف بنا الأمرعند هذه المساحة وسنحتاج لسطور أكثر بكثير …