بمجرد أن وصلنى الخبر كتبت على صفحتى “الصدق فى زمن الزيف، الجرأة فى زمن الخنوع، وداعا الإعلامى الكبير حمدى قنديل”.
فى الحياة أسماء تتحول من فرط تفردها إلى دلالة واضحة المعالم على جزء كبير من ذاكرتنا، حتى لو زاد فى لحظات هامش الاختلاف الفكرى، هكذا يحتل حمدى قنديل مساحة كبيرة على خريطة الإعلام المصرى والعربى. عندما نتحدث عن الإعلام فى لحظات ازدهاره ستلمح اسم حمدى قنديل، وعندما نعيش لحظات الانكسار فإننا أيضاً نتذكر «حمدى قنديل» باعتباره أحد ضحايا كبت الحرية!. الإعلامى الحر لا يقف بالضرورة على الشاطئ الآخر من الدولة، إلا أنه أيضا وبنفس الدرجة ليس صوتاً دائماً لها، مع افتتاح التليفزيون المصرى عام 1960 وبالتحديد 21 يوليو، والذى كنا ولايزال البعض يُطلق عليه صفة (العربى)، كانت لدينا كوادر عظيمة، ومن بين هؤلاء شاب فى نهاية العشرينيات من عمره اسمه «حمدى قنديل»، سعة أفقه وخفة ظله وقدرته على التقاط الفكرة الساخنة اللامعة والتعبير عنها بكلمات مكثفة ظلت ترافقه، وازداد بريقها مع تقدمه فى العمر، حاول أحيانا أن يصل بصوته كاملا للناس، فإذا حجبوا نصف الصوت اعتمد على ذكاء المشاهد لكى يكمل هو النصف الثانى!!.
نرشح لك: أماني زيان تكتب: للرجال فقط.. لماذا تكرهكم النساء
تستطيع أن تقرأ حال الإعلام العربى من خلال (ترمومتر) اسمه حمدى قنديل، (الميديا) تنتعش بالحرية وتراهن عليها، إنها الأكسجين الذى يتنفسه، وعندما يضيّقون عليه الخناق يسعى ويبحث عن أرض جديدة يهاجر إليها. لا توجد «جنة»، دائماً هناك (نار) عليك أن تطفئ كلما أمكن لهيبها، الواقع الإعلامى لا يمكن أختصاره، مجرد فارق بين إعلام حكومى رسمى وإعلام خاص أو عربى أو دولى، الكل يقع تحت طائلة قانون المصلحة والضرورة والتوازنات، و(خلى شوية عليك وشوية عليه)، وكان على حمدى قنديل أن يلاعب الإعلام بقانون الإعلام!.
خطوات «حمدى قنديل» الأولى قطعها على بلاط (صاحبة الجلالة)، وفى دار «أخبار اليوم»، بدأها عام 1956 على صفحات «آخر ساعة»، المجلة بطبيعة تكوينها حطمت العديد من القوالب الصحفية الراسخة!.
الصحفى الذى يسكن أعماقه دائماً فى حالة يقظة، فهو يعشق الكلمة المكتوبة وتستطيع ببساطة أن تدرك ذلك من خلال إبداعه فى الكلمات التى كان يلتقطها فى برنامجه «رئيس التحرير»، والذى تنقّل من خلاله فى العديد من الفضائيات مصريا وعربيا. المصادرة جزء من تاريخ «حمدى قنديل»، هو نفسه يتذكر أن عميد كلية الطب صادر أعداد أول جريدة حررها فى الخمسينيات عندما كان طالباً بالسنوات الأولى بالكلية، المصادرة عرفها أيضاً فى الأردن فى الستينيات عندما اتفقوا معه على أن يقدم برنامجاً تليفزيونيا، ولكن رئيس الوزراء «بهجت التلهونى» استوقفه أنه مصرى يتحدث فى الشأن الأردنى، وتوقف برنامجه قبل انتهاء عرض الحلقة الأولى!.
المصادرة رافقته مع برنامجه «رئيس التحرير»، عودة «حمدى قنديل» إلى التليفزيون المصرى جاءت بقرار استثنائى، بتعليمات كما تردد وقتها من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتحملوه فقط خمسة أعوام من 98 حتى 2003، كانت مصر كلها تتابعه وتتحدث عن جرأته، وصار ينتقل من منصة إلى أخرى داخل أو خارج مصر حتى توقف تماما. عاش حمدى قنديل وهو يحاول أن يعزف ألحانه مدافعا عن قيثارته، وغاب ونحن فى أمس الحاجة إلى حضوره!.