نقلا عن جريدة المقال
أتعجب من الأصوات الغربية التي خرجت تصرخ هذه الأيام وتهاجم من ينتقدون أدار الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته ومسؤوليه.
وأتعجب أكثر لأن هذا الهجوم قادم من أصوات إعلامية وصحفية، فالمعلوم أن الإعلامي يكافح من أجل زيادة حريته وحرية زميله حتى وإن رأي في ذلك بعض التجاوزات، فحرية الإعلام ضمانة حقيقة للجميع سواء الشعب أو الرئيس أو الإعلاميين والصحفيين أنفسهم.
نعم حرية الإعلام توصل صوت الشعب وأناته وآلامه للمسئولين وأولهم الرئيس، كما أن حرية الإعلام تكشف للشعب وللرئيس الحقائق عن أوجه القصور وتدق جرس الإنذار لإصلاح هذا القصور ومن ثم فهي تقوم بخدمة جليلة للطرفين.
أيضا حرية الإعلام هي التي تنقل الإنجازات- إن وجدت- للناس وبذلك فهي تقدم خدمة كبيرة جدا للنظام الحاكم وتثبت دعائم استقراره.
كما أن حرية الإعلام ضمانة للإعلاميين أنفسهم في أن يعمل كل منهم في مناخ كاشف وحر ودون تهديد أو ترويع بسبب رأي أو معلومة، وهذه الحرية ستجعل البضاعة الإعلامية بشتى أنواعها أمام أعين الشعب الذي يملك بوصلة قوية جدا تحدد ما هو الجيد وما هو السيء، ومن يتجاوز أصول هذه الحرية لا يستمر طويلا لان الناس تنبذه سريعا.
ومن ثم فمن يهاجمون منتقدي الرئيس حاليا في الحقيقة هذا ليس خوفا على الرئيس بل خوف على أنفسهم لأنهم يخشون انكشاف أمر بضاعتهم الإعلامية الرديئة، تلك البضاعة القائمة على النفاق الضار بالرئيس ونظامه في المقام الأول.
وفي الحقيقة فإن هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الشعب وعلى غيرهم من الإعلاميين ويحاولون منع غيرهم من حق الانتقاد لا يعملون ذلك لصالح الوطن أو لوجه الله كما يدعون، بل أنهم وجدوا مكاسبهم أكثر في محاولة التملق والتقرب للسلطة، ومن ثم يحاول أن كل منهم أن يرد الجميل بمهاجمة كل من يشير إلى مواطن القصور لتعالجها السلطة.
ومن أجل الشفافية أقول إن المسئولية لا تقع كاملة على هؤلاء المتملقون بل على السلطة نفسها التي سمحت لهم بالالتصاق بها، وهناك من المسئولين حول الرئيس الذين لا يزالون يعملون بالعقليات القديمة التي أهلكت أنظمة قبله بقاعدة تقريب الموالين والمتملقين، متصورين أنهم حينما يصورون للناس دائما في قنواتهم وصحفهم أن الصورة وردية فالناس ستصدق ذلك.
فالحقيقة أنه مهما قيل من كلمات مدح ونفاق وتملق وتزيين للصورة فإن الناس ستأخذ هذا الكلام وتقارنه بواقعها فيكتشفون بل ويتأكدون أنه يتم الضحك عليهم، وأيضا مهما قيل من كلمات نقد فلو كان هذا النقد على غير واقع فالناس لن تسير ورائه.
فالإعلام يملك الكلام فقط، بينما الناس يملكون الواقع ويعيشونه، هذا الواقع الذي لا يحتاج إلى معلومات ولا تحليلات ولا استراتيجيات ليفهمونه، بل هم يغوصون فيه يوميا، من أسعار باتت “نار” حقيقية تنهش أجسادهم، إلى خدمات متردية وذمم مسئولين خربة وغيرها.
إذن فلو في هذا الواقع السيء الذي لم يلمس الناس فيه إنجازا حقيقيا على مستواهم المعيشي جئت أنا كصحفي أو إعلامي وقلت ” السيسي رائع ومفيش منه اتنين.. هل كده الناس هتصدقني؟”.
هل سيصدق الناس مجرد كلام أقوله أنا أو غيري ويكذبون واقعهم؟
فالكلام لا تكون له مصداقية إلا حينما يتماس مع واقع الناس ويكون له أساس يلمسونه بأنفسهم في حياتهم، ومن ثم فلو كان ما يفعله المتملقون له أساس حقيقي لما انزعجوا من كلام المنتقدين.
ولا أعلم لماذا يغيب عن من في السلطة العمل بالمثل الشعبي الرائع الذي يلخص هذا الحال ” يا بخت من بكاني وبكى علي.. ولا ضحكني وضحك الناس علي”.
فمن ينتقدني ويكشف لي عيوبي أو أوجه القصور التي يجب علي معالجتها هو من يخاف علي حقا ويعمل لصالح الوطن والناس، بينما من يمتدحني ويتملقني ويصور لي دائما أنني في غاية الكمال على غير الحقيقة فإنه يفعل ذلك لمصلحته هو من أجل البقاء في منصب أو الاستفادة من رضائي عنه.
ولكن الأهم من كل ذلك فإن الحقائق لا تفلح معها أي محاولات إخفاء أبدا وخاصة مع المصريين فهي تصلهم بشتى الوسائل وإن لم تصل في الأخبار فتصلهم في النكات.