محمد عبده بدوي: لماذا لا أكون مذيعاً ؟

يجلس المُعد قبل الهواء إلى جوار المذيعة داخل الاستديو في دائرة الضوء تحت سبوتات الإضاءة الكاشفة، يحفز أفكارها، ويراجع معها في الدقائق الأخيرة محاور الأسئلة وما كتبه في الاسكريبت … يقطع حديثهما صوت المخرج الذي يتهيأ للهواء :
كله بره الاستديو هنطلع هوا حالاً .

يلملم المُعد أوراقه وينسحب خارج الاستديو وتنسحب عنه الاضاءة، خطوات قليلة للخلف، يتلاشى النور تماماً، ويدخل منطقته المظلمة وراء الكاميرا، تبدأ المذيعة الحلقة وهي في قلب الضوء، وهو يتابعها ويسائل نفسه: أنا من كتب هذا الكلام، أنا أكثر دراية بجوانب الموضوع وبمفاتيح الشخصية التي تحاورها مذيعة البرنامج …. لماذا لا أكون أنا المذيع !!
…الكل يريد أن يجلس على كرسي المذيع، إنها فتنة الميكروفون وغواية الكاميرا، شهوة الكلام التي لاتنتهي تلك الغريزة الأساسية والفطريه لبني آدم .
ولا أحد يسأل نفسه السؤال البديهي: هل لدي ما يستحق أن أقوله للناس، وهل أمتلك أبسط الأدوات التي تؤهلني أن أكون مذيعاً ؟
الكل يريد أن يكون مذيعاً … أصادف الكثيرين من مهن مختلفة أطباء وصيادلة ومحامين ومديرين في شركات بترول تحققوا إجتماعياً ومادياً ، ولهم مكانتهم المرموقة، يتلقون دورات تدريبية في البرامج الحوارية والتقديم الإخباري، يراودهم حلم الظهور على الشاشة، منهم من تجاوز الستين من العمر لكنه مصمم على أن يحقق حلمه ويصبح مذيعاً
… أسأل نفسي: ألهذا الحد يمتلك كرسي المذيع كل هذا السحر !!

لكل منا صديق على المقهي – بياكل القعده – يتحدث في كل شيء سياسة، فن، رياضة، وبالطبع يكون ذلك مصحوباً بكثير من التنظير، ما أن ينتهي من كلامه يميل عليك قائلاً : ياااااه لو طلعت في التليفزيون واشتغلت مذيع كنت قلت أحلى كلام .
بائع الجرائد على ناصية الشارع، وهو يبيع لك الجريدة يتحفك بآرائه في السياسة وأحوال المجتمع وتغيرات المشهد السياسي العالمي، ويقول لك لو طلعت في التليفزيون هاقول أحلى قوالة .
الكل يريد أن يكون مذيعاً، حب الظهور وأن تكون محط إعجاب ونظر الآخرين غريزة بشرية لها تفسيرات نفسية واجتماعيه عديده، تحكي الأسطورة الإغريقية القديمه (أسطورة نرسيس) عن ذلك الفتى الجميل نرسيس الذي كان يذهب كل يوم ليتأمل جمال وجهه في مياه احدى البحيرات، وكان مفتوناً بصورته إلى درجة أنه سقط ذات يوم في البحيرة ومات غرقاً، وفي المكان الذي سقط فيه نبتت زهرة سميت (نرجس) ، هكذا نريد دائماً أن نرى صورتنا في مرآة نرجس .

المذيع هو واجهة القناة، الكل يخدم عليه وعلى شغله بلغة أهل مهنتنا – مع تحفظي وعدم إعجابي بهذا التعبير – ابتداءاً من عامل البوفيه الذي يصنع له قهوته ليعدل مزاجه قبل الهواء مروراً بالاستايلست الذي يختار له لون بدلته ورابطة العنق ليطل على الناس في أبهى صورة ومدير الاضاءة وفني الصوت وانتهاءاً بالمخرج .. الكل يعمل في خدمته ، لكن هل يعلم السيد المذيع أنهم يخدمونه لكي يكون هو خادماً عند الناس والجمهور .
المذيع الذي يعي دوره جيداً هو خادم للجمهور، يوقن أن وقت الهواء والناس ثمين ومقدس، وأن نجوميته الحقيقية أن يلبي احتياجات جمهوره الاعلامية، يقدم لهم المعلومة ويتوثق منها، يعرض كافة وجهات النظر دون أن يفرض رأيه، يساعد الناس على فهم ما يدور حولهم دون استعلاء أو وصاية
المذيع خادم عند سيده الجمهور …. من حقك أن تحلم أن تكون مذيعاً وتدافع عن حلمك، ومن حق الجمهور أن يمنحك جواز المرور للنجومية التي تتمناها، أو أن يكتم صوتك ويمحي صورتك بضغطة زر واحدة .

اقرأ أيضًا:

محمد عبده بدوي: ميديا جديدة.. خطاب قديم

ذكرى رحيل الصوت الأنيق.. محمود سلطان

محمد عبده بدوي: قبل أن تحاسبوا …لمياء

 محمد عبده بدوي: اقتلوا …. إسلام بحيري   

محمد عبده بدوي: في أهمية أن يتثقف الإعلام

محمد عبده بدوي:رصاصة كريس كايل “الأخيرة”

محمد عبده بدوي: كيف تقرأ الأخبار دون أن تنفجر جمجمتك!

محمد عبده بدوي: هذا الهواء.. ليس لي

.

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا