نرمين حلمي
وُلدت الفنانة هند رستم في مثل هذا اليوم 12 نوفمبر من عام 1929، بحي محرم بك بمحافظة الأسكندرية، لأب من عائلة تركية مصرية كان يعمل ضابطًا في الشرطة، وانفصل عن أمها وهي طفلة.
لم تشارك الفنانة الراحلة هند رستم في المشهد السياسي، طيلة أيام حياتها، سواء من خلال المتابعة أو المشاركة في الفاعليات الوطنية؛ بحسب ما كانت تنشغل دومًا بشغلها الفني وحياتها، إلى جانب عدم تفضيلها لجو الظهور أو الـ “شو الإعلامي”، الذي يفتعله بعض الفنانين؛ رغم احترامها لدور الفنان المجتمعي تجاه وطنه أيضًا.
“لا أحب السياسة ومشاكلها، وأهرب من وجع دماغها، وللآن أول ما أسمع سيرتها أجري على طول”..هكذا صرحت “رستم” سابقًا عن رأيها في السياسة، بمنتهى الشفافية والصراحة، وعلى الرغم من عدم اهتمامها بهذا المضمار برمته، إلا أنها كانت تقدر بعض الرموز السياسية الهامة؛ لدورهم البارز تجاه الوطن وشعبه.
كان من أبرز تلك الشخصيات، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي تحترمه وتقدره، وترى أنه خدم البلد وقدًر الفن والفنانين، وأنشأ لهم مكانة مرموقة، خاصة بعد ثورة يوليو 1952.
شاءت الأقدار أن تلتقي “رستم” بـ “عبد الناصر” 3 مرات مختلفة في حياتها، استطاعت أن تبني له رؤية أقرب لما تصورته له؛ مِن جدية وصرامة وهيبة، تجعله رمزًا قياديًا بارزًا ومتميزًا عن غيره.
التقت “رستم” بـ “عبد الناصر” لأول مرة، أثناء مشاهدة العرض الخاص لفيلم “رُد قلبي” في صالة العرض الصغير بـ “استديو مصر”، في ديسمبر عام 1957، وهو نفس الاستديو الذي شهد تصوير أغلب مشاهد الفيلم، وكان هناك اهتمام خاص من جانب الثورة بهذا الفيلم على وجه الخصوص؛ لأن الفيلم يحمل شعارات الثورة، والتي تتمثل في: تذويب الفوارق بين الطبقات، ويعلن نهاية عصر الإقطاع والباشاوات والسادة والعبيد، وهو الهدف الأسمى الذي ناضل “عبد الناصر” من أجله طوال حياته.
جلست “رستم” في الصف الثاني من القاعة، خلف “عبد الناصر” مباشرة، وجلس بجانبها صلاح ذو الفقار أحد أبطال الفيلم، وسبق عرض الفيلم “جريدة مصر السينمائية”، التي كانت تعرض لقطات مصورة لأبرز الأحداث السياسية خلال أسبوع العرض، وكان من بين الأخبار المذاعة تفاصيل زيارة الملك حسين لأمريكا، ولاحظت “رستم” أن الملك حالق شعره بطريقة غريبة أثارت دهشتها؛ فعبرت عن ذلك لـ “ذو الفقار” هامسة بعفوية شديدة: “الحلقة بتاعة الملك حسين وحشة أوي!”.
نرشح لك: محمد متولي.. “بطاطا” الذي نضج على نار هادئة
فشعرت “رستم” أن “عبد الناصر” سمعها، وعندما جاءت مناظر للملك وهو في البيت الأبيض يلتقي الرئيس الأمريكي، علقت مرة ثانية وقالت: “إوعى يضحكوا عليك يا جميل!”، فالتفت إليها “عبد الناصر” في تلك المرة، ونظر لها نظرات معاتبة؛ فنزلت “رستم” تحت الكرسي من الرعب؛ لأن “عبد الناصر” كان عنده طلة رهيبة، و”عينه فيها رصاص”، واصفة إياه بـ “كان حاجة تخض الله يرحمه”، في حكايتها في كتاب “ذكرياتي..هند رستم” لأيمن الحكيم، مشيرة إلى أن هذا الرعب امتد لـ “ذو الفقار” أيضًا؛ الذي خاف أن يكون “عبد الناصر” غضب من تعليقها، فهمس لها في أذنها، قائلاً: ” قومي من جنبي حتودينا في داهية!”.
ولم يقف اللقاء الأول عند هذا الحَد؛ بل وزعت المنتجة “اَسيا” على الممثلين، بعد عرض الفيلم، صورًا مختلفة من الفيلم، وطلبت مِنهم أن يقفوا في صف، ويطلبوا مِن الرئيس أن يوقع بإمضائه على كل صورة؛ لاستخدامها في دعاية الفيلم بعد ذلك، فوقف شكري سرحان، وصلاح ذو الفقار، ومريم فخر الدين، وحسين رياض، وأحمد مظهر، وكمال ياسين، وأحمد علام، وهند رستم، و”مريم” سبقت “رستم” في الصف، ولما سلمت على “عبد الناصر” قالت له بمنتهى السذاجة: “سيادتك أنا عايزة تكتبلي على الصورة إلى الفنانة المهذبة مريم فخر الدين”، فارتبكت “رستم” من تلك الجملة بشدة، وزادت حيرتها، وحدثت نفسها قائلة:
“طيب أنا حاقوله إيه!؟”.
وتابعت متسائلة: “هو شايف إن دوري في الفيلم غير مهذب بالمرة، فقد كنت أقوم بدور راقصة في كبارية، تقع في غرام الضابط شكري سرحان أو “علي عبد الواحد”، وتحاول أن تحل في قلبه محل “إنجي” ابنة الباشا ـ مريم فخر الدين ـ وتدبر مؤامرة حتى لا يصل خطاب “إنجي” إلى “علي”، ولكن ضميرها يستيقظ وهي على فراش الموت، وتعترف له بما ارتكبته في حقه وحق “إنجي”، وتطلب منه أن يسامحها”.
فقررت “رستم” أن تخرج من الصف في التو؛ رعبًا من مواجهة “عبد الناصر”، ولكنه لمحها بمجرد أن خطوت خطوة واحدة، وقال لها بابتسامة: “تعالي يا هند”، فسلمت عليه وهي قلبها يكاد يتوقف مِن الخوف.
أمًا المرة الثانية التي التقت فيها “رستم” بـ “عبد الناصر”؛ كانت عندما جاء ليحضر افتتاح نفس الفيلم في سينما “كايرو بالاس”، وكانت تجلس وراءه أيضًا، في الصف الثاني مع أبطال الفيلم.
بينما المرة الثالثة كانت عندما جاء الزعيم السوفيتي “خروتشوف” لزيارة مصر، وكان ضمن برنامج التكريم والاحتفاء بضيف مصر الكبير، إقامة حفلة على شرفه في نادي الضباط بحضور عدد من كبار الفنانين المصريين، وكانت “رستم” مِن بين المختارين، وناداها يومها مُنظم الحفلة، وطلب منها أن تحمل علم مصر ضمن استعراض الفنانين المُنظم، ووافقت “رستم” على الفور؛ ظنًا منها أنه علم صغير الحجم، مثل الذي يرفعه الشُبان أثناء تشجيعهم لمباراة كرة القدم في الاستاد.
تفاجأت “رستم” بعد ذلك بكِبر حجمه، واصفة إياه بـ: “علم ضخم وعايز اتنين عساكر يشيلوه”، فاعتذرت لمُنظم الحفلة، موضحة سبب ضخامته، التي لا تسعفها على حمله، فرفض المنظم ذلك الأمر، بحجة ضيق الوقت، ولكن صممت “رستم” على قرارها، وانفعلت عليه وقالت له في حِدة: ” خلاص اعتقلوني.. بس مش هشيل العَلم.. دا عايز فتوة يشيله!”.
وفي الحفل ذاته قدمت “رستم” وردة لـ “خروتشوف”، وكان “عبد الناصر” أمامها مباشرة، ولكنها لم تتحدث معه ولم يحدث بينهما أي حوار، مشيرة إلى أن اسمه ارتبط في ذاكرتها دومًا بطلته المهيبة، وعيونه النافذة، قائلةً عنه: “كان زعيمًا بجد”.
نقدم لك: أين اختفى هؤلاء!!