لم يجد الكاتب الكبير محمود أبو زيد مفرًا من مواجهة الواقع الذى عاشته مصر فى ثمانينيات القرن الماضى. تجارة المخدرات بلغت مبلغا من الخطورة كان لابد من التوقف أمامها، والتصدى لها على كافة المستويات الأمنية والاجتماعية وحتى الفنية بعدما سيطر “الحشيش” على دماغ شريحة لا يستهان بها من المصريين .. إنحدار فى الذوق العام – كذلك وصفوه وقتها – فكان زمن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ قد ولى برحيلهما؛ وبزغ نجم مطربين شعبيين جدد كانوا هم المسيطرون على الذوق العام للمستمع وقتها.
كتب العملاق الراحل فيلمه “الكيف” وقدمه محمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني فى سيمفونية تمثيلية نادرا ما يجود الزمان علينا بمثلها.. قدم أبو زيد كتابة سلسلة ورصد كوميدى ساخر فى قصة فيلمه واستطاع ببراعة الكبار المزج بين المخدرات والغناء فى قالب واحد “فكلاهما فى أحداث الفيلم يذهب العقل ويعبث بمستقبل وطن” .. رصد ذوق المصريين الجانح تجاه كل ما هو شاذ من المخدرات إلى الوقوع فريسة فى عشق الأغنيات الهابطة على شاكلة “الكيمى كا” و “تعالى تانى فى الدور التحتانى”.
استخدم أبو زيد لتوصيل فكرته قاعدة نحوية معروفة وهى “تضاد يوضح المعنى ويؤكده” ؛ وذلك من خلال شقيقين أكبرهما “صلاح أبو العزم” الذى قدم دوره الفنان يحيى الفخرانى؛ الحاصل على الدكتوراه فى الكيمياء وصاحب المكانة العلمية المرموقة؛ التائه وسط متطلبات الحياة وعدم قدرة “شهادته” على توفير احتياجاته الشخصية وأهمها حلم تعليم ابنه الوحيد فى مدرسة خاصة.. وصلاح أبو العزم هنا كان نموذج لملايين من شباب ورجال مصر – لازالوا يعيشون بيننا إلى الأن
نرشح لك: محمود فوزي السيد يكتب: ما فعلته شيرين في شيرين
أما النموذج الأخر “التضاد” فكان للشقيق الأصغر جمال أبو العزم أو “مزجنجى” الذى قدم دوره الفنان محمود عبد العزيز؛ وهو الشاب المفصول من كلية الحقوق؛ التائه هو الأخر وسط غيابات الدخان الأزرق؛ الذى قرر فجأة وبدون مؤهلات أو موهبة أو سابق إنذار إحتراف الغناء رغم أن كل من حوله يؤكدون على رداءة خامة صوته وعدم صلاحيته للغناء؛ إلا أنه يصر على تحقيق هدفه ويقول لشقيقه الأكبر الذى يحاول نصحه بالابتعاد عن الغناء: وأيه يعنى يا أبو صلاح ما كل الناس بتغنى” ..
يرد شقيقه الأكبر: حرام عليك هتبوظ عقول الناس بالمخدرات.. وصوتك كمان !!
المهم يلجأ “مزجنجى” لتجارة المخدرات “التركيبة الوهمية التى يصنعها دكتور صلاح الكيميائى”؛ ويتورط مع “البهظ بيه” لا لشئ أكثر من توفير فلوس “تعبية الشريط”.
فيستعين “مزجنجى” بكل من “بيصى” و “أبو رنة كبير الألاتيه” والشعراء “الريس ستمونى” و “ننس” .. من أجل “تعبية شريطه” ؛ الذى يسجل منه عدة أغنيات هى “القفا” و “الكيمى كيمى كا” تخليدا للخلطة الكيميائية التى أعدها الدكتور صلاح وكانت سببا فى ثراءه السريع ؛ و أغنية “تعالى تانى فى الدور التحتانى ناكل لحمة ضانى ونحلى بسودانى”
وقبل كلمة النهاية يرصد الكاتب أن حالة التدنى لازالت هى المسيطرة على الذوق العام للمصريين بمشهد بديع يرصد فيه مصر من الأعلى وحركة السيارات فى الشوارع مع وجود أغنية “الكيمى كا” فى خلفية المشهد ؛ فى دليل على إجتياحها لكل شبر فى البلد وسيطرتها على أذان الجمهور.
فيظهر سائق تاكسى يستمع لأغنية “الكيمى كا” فى كاسيت سيارته وتبدوا عليه علامات البهجة بالأغنية “جمهور مزجنجى” .. ويطلب منه الراكب فى الخلف والذى تدل هيئته أنه ينتمى لفئة “صلاح أبو العزم” أن يقلل من صوت الكاسيت .. ويدور بينهما حوار يلخص ما نعيشه من وقتها وحتى الأن من حالة التلوث السمعى والتى وصل الأمر بها إلى أن يصبح كل من حمو وبيكا ومجدى شطه هما “مزجنجية ” هذا العصر.
نجح “مزجنجى” فى فرض أغنياته وأسلوبه وكلماته الركيكة المبتذلة وصوته “الوحش” على الذوق العام ؛ أصبح له مستمعين ومؤيدين وربما مريدين ؛ فرض سيطرته على فئة كبيرة من الجمهور كما فرض “الحشيش” نفسه على فئة أكبر من مريدى “المزاج” .. بنفس المنطق نجح حمو بيكا ومجدى شطا فى فرض ما يقدمانه على جمهور هذا العصر إما فى أفراح الشوارع أو لدى الباحثين عن غنوة “تخيش فى الدماغ” فى “قعدة مزاج” ؛ أو حتى على جمهور السوشيال ميديا اللاهث خلف أخبارهما إما حبا فيهما أو سخرية مما يقدمان فى حربهما الزائفة الواهية .. المهم أن وجودهما أصبح واقع لا يمكن التنكر له ..
وفى نص حوار مشهد النهاية لفيلم “الكيف” ربما يجد بعض الباحثين عن إجابة لتساؤلات عن أهمية حمو بيكا ومجدى شطا ضالتهم ..
وإلى نص الحوار البديع بين مؤيدى “المزجنجية” و أحفاد “صلاح أبو العزم” ..
الراكب: لو سمحت وطى الكيمى كا ده شوية
السائق: ده الشريط الجديد بتاع مزجنجى .. عامل شريط أخر نعنشة …. يظهر الاستاذ معجبتهوش الغنوة
الراكب: غنوة !!!
السائق: أنا كمان أول ما سمعتها مدخلتش دماغى … لكن لما ودنى خدت عليها عششت فى نفوخى وكيفتنى
كيييفتك !!!
النهاية
شاهد: الحلقة الثالثة من #الخلاصة.. حزب أعداء #حمو_بيكا