هالة منير بدير
جاءني على جروب الأصدقاء في تطبيق “واتساب” المنشور التالي: ” نأسف لإظهار مشهد العملية ولكن التحذير واجب: شاهدوا كِلْيَة الذي لا يشرب كفايته من الماء، ويعتمد في أكله وشربه على المشروبات الغازية. انظروا للحصى الذي تكوِّن بسبب قلة شرب الماء”.
وبعد هذا المنشور جاء مقطع فيديو تبلغ مدته 44ثانية، يرافقه تعليق مثبت يقول ( عمل سنكَ مثانة) إنها لغة آسيوية أعتقد أنها الأوردية، ويظهر في الفيديو يد جرَّاح تستخرج عضوا ما من أحشاء كائن ما، فتشُقه بمشرط الجراحة، ثم يبدأ الجراح بالضغط على العضو كمن يُفْرِغ بالون من الهواء، لتخرج منه عشرات الكتل الصلبة مختلفة الأحجام والأشكال، بعضها يبدو مفلطحا حادا أشبه بالحصى، والبعض الآخر يبدو منبعجا مكوَّرا أشبه بحجارة..
بالطبع المشهد يُدْمي القلب ويُوجِع الجسد، هل من الممكن أن تصبح كلية الإنسان في هذا المشهد المؤلم؟! كيف لإنسان أن يتحمَّل كل هذا العدد من الصخور في كليته؛ وهي التي بحجم قبضة اليد؛ ولا يوجد فيها سوى حوض صغير جدا يتصل مباشرة بالحالب؟!!
فعندما تتواجد حصوة صغيرة حقيرة في المثانة أو حتى بعض البلورات فإنها تُدْمي البول وتخلق الالتهابات، ولو تواجدت أصغر حصوة في الكلية فإنها تُسبب الآلام المُبرحة للمغص الكلوي.
نرشح لك: جَلْد سعودي أمام طليقته بسبب “واتساب”
عندها تذكرت مشهد لحجارة ضخمة كروية، يُزَيِّن بها بعض جراحي المسالك البولية مكاتب عياداتهم، يصل حجم بعضها إلى حجم قبضة اليد ووزنها يتعدى نصف الكيلو، وهي عبارة عن الحصوة التي قد تتكون في مثانة المريض على مر الزمن لعدم استطاعته ماديَّا الذهاب لاستخراجها متحملا بذلك أفظع أنواع الألم (كما أفاد الطبيب بعد تعجبي من تكون حصى بمثل هذا الحجم الخرافي).
عندما تداعت كل تلك الأفكار في عقلي انتبهت! إذا العضو الموجود في الفيديو مثانة وليست كلية، لأن أنسجة وتشريح الكلية ليست مجرد كيس مُجَوَّف، ثم لفت نظري أسفل الفيديو جملة بالإنجليزية تقول (nicevilleanimalclinic) .. “animal” ؟! ..
إذا الفيديو هو عملية جراحية لاستخراج حصى من مثانة حيوان، بحثت على “تويتر” فلم أجد صفحة العيادة، حتى وجدتها على “انستجرام” بعنوان ( Niceville Animal Clinic ) صفحة جراحة بيطرية تُدعي Dr. Jenny Fortune)) تُجري العمليات الحرجة للحيوانات، ووجدت صورة أشعة الحيوان وأحشائه تحوي كل ذلك الكم من الحصى، حيث كانت أنثى كلب تُعاني من التبول كل 10دقائق. واللينك التالي يحوي الفيديو الأصلي لعملية استخراج الحصى من المثانة على انستجرام.
دائما وأبدا ما يَخلق التعليق الذي يُصاحب صورة أو مقطع فيديو حكما مسبقا على المحتوى، إذ يُساهم بشكل كبير في تشكيل تلقي واستيعاب المشاهد، يُصبح أشبه بخداع عقلي، مثله مثل الخداع البصري الذي ترى فيه العين على خلاف الحقيقة. فهذا المقطع قام آسيوي بمشاهدته على انستجرام، ثم قام بنشره بلغته، ثم وصل بشكل ما إلى واتساب في موبايل أحد العرب، الذي أحب أن يضع عليه لمسات النصائح الطبية المجانية فوضع معه تعليق بالعربية؛ يشرح فيه أن من لا يشرب الماء بشكل كافي ويعتمد على المياه الغازية ستتكون الحصى في كليته بهذا الوضع المُزري. ومما عزَّزَ التصديق بسهولة أيضا؛ أن التعليق جاء بلغة أجنبية، (بالرغم أنني لا أعتقد أن مثانة هي الترجمة الأوردية لكلمة كلية)، وسيساعد في ذلك أيضا قلة أو انعدام المعلومات عن محتوى المشهد، كما أن تطبيقات مثل “واتساب” يعتمد مستخدموه على سهولة وسرعة نشر ومشاركة البوستات، ولن يُحَلِّل كل شخص ما يستلمه من صور وفيديوهات ومنشورات مطولة ليتأكد من سلامة ودقة وصدق محتواها قبل تبادلها مع معارفه.
تطبيق واتساب رائع للتواصل بين الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، وبالرغم أنه مفيد في سهولة التواصل وتبادل التهاني والمنشورات الطريفة؛ إلَّا أنه يلعب دورا كبيرا في نشر الأخبار الملفقة، والمعلومات المغلوطة مثله مثل باقي مواقع التواصل الاجتماعي ولكن يبقى الفارق أنه محدود في مجموعات صغيرة العدد مغلقة على نفسها؛ مما يجعل وسيلة التصحيح وتدارك الخطأ بطيئة وغير فعالة ومحصورة، وتعتمد على إمكانية وقدرات الشخص ذاته في البحث والتقصي قبل التصديق وبث المحتوى الوهمي.