أُسدل الستار على قضية القصور الرئاسية المتهم فيها “المخلوع” مبارك ونجليه بحبسهم ٣ سنوات، ولكن علينا أن نعي أن إسدال الستار لفترة قصيرة، حيث يبقى فصلاً أخيراً، وهو الطعن بالنقض للمرة الثانية؛ فقانوناً يبقى لهم فرصة أخيرة للطعن بالنقض، فإما رفضه، وإما قبوله، وفي هذه الحالة الثانية تنظر محكمة النقض القضية كمحكمة موضوع وتصدر حكمها، والذي يكون نهائياً وباتاً وغير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن… هذا هو القانون.
ولكن علمونا في كلية الحقوق أن الحكم هو عنوان الحقيقة، وطالما أقر الحكم واقعاً فإنه يظل الحقيقة إلى أن يثبت العكس في أي مرحلة من مراحل الطعن، وإلى أن يُصدر القضاء القول الفصل في هذه القضية، فإن الحقيقة الدامغة الأن أن مبارك ونجليه (حرامية).
بالنسبة لي، وقد يكون لكثيرين مثلي، لم أكن أنتظر حكماً كهذا حتى أتأكد من إدانة مبارك وأولاده، بالعكس، فأنا أعتبره حكماً تكميلياً يضاف إلى أحكام عدة أصدرها العديد من أبناء هذا الشعب في حقهم، فسياسياً كلهم مدانون، حتى في الجرائم الجناية التي برأتهم فيها المحكمة، أيضاً مدانون في شقها السياسية الظاهر والمُعلن، والذي يعجز القضاء عن محاكمتهم بتلك التهم نظراً لغياب التشريعات.
لن أتهم مبارك بأنه من زرع الفساد، ولكنه كان بمثابة صاحب الأرض الخصبة التي تُلقى بها حبوب الفساد فتنبت بلا عناء أو شقاء، أجّرها وكان يعلم بنوعية نبتتها، بل وكان يرويها بتغاضيه عن محاسبة الفسدة من زبانية نظامه، فينطبق عليه قول الشاعر “إذا كان رب البيت بالدف ضارباً… فشيمة أهل البيت الرقص”، فهو الأن يحصد ما زرعه وأشرف على زراعته في أرضه الخصبة.
ولكن، وبعيداً عن كل ما سبق، يثور التساؤل عن تداعيات هذا الحكم، وأقصد هنا تحديداً فتوى قسمي الفتوى والتشريع التابع لمجلس الدولة بشأن أحقية “المخلوع” مبارك بمزايا الرؤساء السابقين، كيف سيتم التعامل في هذا الشأن؟
قانوناً، لم يستثن المشرع ولا القرار الجمهوري، وتعديلاته، بشأن هذا الأمر رئيس الجمهورية الذي يُدان جنائياً، أو الذي يترك الحكم بعد ثورة شعبية نظراً لفساده السياسي هو ونظامه، مما يجعل الأمر مفتقداً لقواعد العدل الذي نحلم به ونصبو إليه جميعاً، ليكون التساؤل البديهي، لماذا لا يتدخل رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، بحكم أنه يمتلك السلطة التشريعية إلى الأن، ويُصدر تعديلات تشريعية تمنع مبارك ومن في حكمه من بعده الإستفادة من هذه المميزات التي تُعد تكريماً لا يستحقونه؟؟ لماذا البُطء في هذا الشأن والمماطلة والإنتظار؟؟ أليس الوقت أصبح سانحاً الأن؟؟ أليس من تعهداته ومسؤولياته كرئيس للجمهورية أن يرسِ قواعد العدل؟؟ أم أن هناك في حاشيته من يحاول عرقلة ذلك التعديل لغرض في نفس يعقوب؟؟!!
وأخيراً، سواء أصدر رئيس الجمهورية هذه التعديلات أو لم يصدرها، ففي النهاية سيتحمل تبعات قراره وسيجني ما يستحقه أمام الله وأمام الشعب، ولكن بالنسبة لي سيظل مبارك فاسداً، مجرماً، أساء لشعبه ولنفسه ولتاريخه، هو وكل رجال نظامه، لا أستثني منهم أحد، وهذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الجنائي فسيظل (حرامياً)، مزوراً، ناهباً لقوت الشعب هو وأبناءه، وفقاً لحكم المحكمة… هذا هو مبارك الذي في خاطري وفي فمي…
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: khaled_youssef3@