حالة من عدم الاستقرار ما بين اليمين واليسار وأعلى وأسفل تنتاب كل منا، نرى ونسمع ونفعل، ومن ثًم نتأثر ونتفاعل أحياناَ ونثور أحياناً أخرى. هذا أكبر دليل على أننا ما زلنا على قيد الحياة. وهذا هو الجانب المضيء من الصورة.
أما في واقع الأمور فإننا نحيا كجذوع النخل الميتة، كيف؟ لأننا نسمع ولا نسمع بالفعل ونرى ولا نرى بالفعل، نسمع بأذنين لا تفهم سوى ألفاظ معينة وأفكار معينة ونرى أشياء معينة ولا نرى غيرها. لقد تقولبنا أي وُضعنا أو وضعنا أنفسنا في قالب لا نخرج منه قد يكون قالب سليم أو جيد لكن لا يوجد قالب يصلح لكل الأحوال والظروف.
ثم نشكو من أن هذا مختلف أو هذا لا يصلح أو أن ذاك خائن أو غير وطني، لأنه لا يستقيم مع قوالبنا التي صنعناها بأنفسنا في خيالنا. هل فكرت في أن تنظر في مرآة لترى ما أنت عليه؟، هل خطر لك أن تقيم نفسك بمقاييس آخرين؟ قد تكون من ضمن هؤلاء الذين يستقيمون في أي قالب أو معظم القوالب وهذا جيد.. بعض الأحيان ولكن ليس على الدوام.
كل منا أصبح يملك الكثير من تلك المقاييس التي تناسبه هو وحده ويطبق مقولة جورج بوش الإبن “من ليس معي فهو ضدي” المرفوضة بشكل كبير. لكن تلك المقولة قد سقطت بامتياز ذلك لأنها لا تستقيم مع المنطق، أي منطق. وإن غاب المنطق فلا نتيجة مرجوة مما تفعل أو تقرر، إلا إن قررت أن تكون لا منطقي أو غير عاقل وهو خيار يبنى على منطق مختلف أيضاً. انظر إلى فكرة الفوضى الخلاقة مثلاً فلها تخطيط ودراسة بالرغم من كونها فوضى أو هكذا تبدو.
اخرج من قالبك المحكم الغلق، تحسس طريقك الي العالم، لا تنحصر في الجوانب الأربعة لقالبك القديم التي تعزلك وتمنع عنك الرؤية والاحساس الحقيقي. تحرر من قيودك التي فرضتها أنت على نفسك وأطلق لروحك العنان وتعرف على رؤى الآخرين واحترمها فلولا وجود الآخرين باختلافاتهم عنك لما كنت أنت ولا بتميزك بشيء ما. وبعد أن تخرج من قالبك، عد مرة أخرى وانظر إلى مرآتك لترى ما أصبحت عليه وقارن ما تراه بما كان وأخبرنا بالفرق.