نقلا عن جريدة المقال
لماذا لم يخرج المنظرون للقول بأن ما جرى في ماسبيرو عصر السبت من إظلام تام لمدة قاربت 40 دقيقة هو حركة جديدة من حركات “بصُ العصفورة” ومتى نؤمن أن حالة الإهمال التي بلغ أقصى أعماقها في الدولة المصرية كفيلة بأن توفر للرأي العام كل يوم قضية جديدة ينشغل بها ويتندر عليها ويتحسر على تفاصيلها دون الحاجة لحياكة قصص هدفها إلهاءه عن سعر البامية وحقيقة تحرير مصر لرهائن أديس أبابا في ليبيا، كلنا معترفون -فيما عدا المسئولين- أن البنية التحتية في كل شبر في مصر منهارة وأن ثورة 25 يناير لم تحصل على الفرص التي كان من المفترض أن تكون بداية الإصلاح أو بمعنى أدق البناء من أول وجديد، بالتالي فإن فقه الأولويات يدفعنا لتدبر تجربة اليابان بعد القنبلة الذرية، هل كان من المعقول أن تُطلق اليابان مشروعات جديدة في المناطق التي لم يطالها التأثير المدمر للقنابل الأمريكية قبل أن تعيد بناء هيروشيما ونجازاكي، وهل تتطور الدول بنظام عام يشمل كل زاوياها، أم بمشروعات منفصلة تحظى بدعاية لا تتخطى المستفيدين المباشرين من المشروع، والإستفادة المباشرة هنا لا تنطبق فقط على المستثمرين، حتى الأيدي العاملة التي تتلحق بالمشروعات الجديدة، كيف ستتكامل حياتها وهي تعود لمدنها الأصلية التي تعاني من غياب الخدمات الأساسية، لقد تفوق الإهمال في مصر على نفسه، فلم يعد يتجسد في حادث قطار أو غرق عبارة أو فشل في مدارس الدولة وموت في مستشفيات الحكومة، لقد وصل إلى مرحلة دخول الحمار إلى أرض المطار، وانقطاع الكهرباء عن أهم مبنى في مصر، ماسبيرو أهم من قصر الحكم لمن يفهمون جيداً في السياسة، يحدث هذا وحجم التربص بالمحروسة يزيد ولا ينقص، ونرد نحن على التربص بهاشتاجات وهمية على تويتر تمتلئ بالسباب والتعالى غير المبرر، المطلوب الآن هو اللجوء لفقه الأولويات، أن يقتنع الرئيس عبد الفتاح السيسي ومن حوله بأن التصريحات المبالغ فيها والمشروعات التي بدأت هنا وهناك لا يمكن أن تكون كفاية لجذب مصر بعيداً عن حافة الإنهيار، وأن مشروع مصر القومي المطلوب حاليا هو” الصيانة”، صيانة ما هو قائم في عاصمة البلاد والمحافظات بدلا من بناء عاصمة جديدة، صيانة تعتمد بشكل أساسي على اختيار حكومة قادرة على جذب الكفاءات بحق، دون خوف من اعتراضات ومطبات يصنعها دائما كهنة الدولة العميقة، هؤلاء الذين يعيشون داخل دهاليز دولاب العمل الحكومي لابد من مقاومتهم الآن وقبل أي وقت آخر وهم بالمناسبة يبقون في أماكنهم مع كل كارثة ويتم فقط الإكتفاء برأس الدولاب كما سيحدث مع عصام الأمير، وكما كان من المفترض أن يحدث مع وكيلة وزارة التعليم التي حرقت الكتب، ومع وزير الثقافة المهتم بحرق الدهون، كل هؤلاء هم العرض لا المرض، وعلى الطبيب الذي هو الآن الرئيس أن يبتر الأجزاء المعطوبة سريعا من جسد الدولة لاعادته من مرحلة الإحتضار وإلا سنصل لمرحلة تنقطع فيها الكهرباء مجددا عن ماسبيرو فتبرر الحكومة ذلك بارتفاع الأحمال وتنصح موظفي المبنى بعدم استخدام غلايات الشاي.