ولأن الغناء سر الوجود، نُغنِّي، ونسمع الموسيقى سواء أكانت صادرة عن ناي أو غيره؛ اللحن رحلة، تبدأ عند أول دقة وتنتهي بعدما نُدرك الواقع حولنا مرة أخرى، ونفيق من الحالة التي عشناها داخل الأغنية.
نسمع، فنشعر بأحاسيس مختلفة، نتذكر كيف أحببنا في الصيف وكيف كنا في الشتاء، نشعر بالحنين للطفولة، للطائرات الورقية التي كنا نطيرها على سطح بيت الجيران، لجلوسنا أمام شط إسكندرية، أو ربما نستعيد إحساس خيبات الأمل والوحدة، ونتمنى لو كنا قناديلًا عتيقة تُنير عتم الطريق يمكن كان اهتدى أحدًا.
نرشح لك: بعد سنوات من القطيعة.. زياد الرحباني يُصالح فيروز
كل تلك الأفكار وأكثر تسيطر على الذهن والقلب معًا، أثناء سماعنا لأغاني السيدة فيروز، التي نحتفل بعيد ميلادها الـ 83، اليوم 21 نوفمبر، ذكرى خاصة تدفعنا للسماع والبحث أكثر عن ألحان نادرة، أو حتى قصص ترتبط بأغانيها، وفي هذا التقرير، يرصد “إعلام دوت أورج” قصص خمس من أشهر أغاني جارة القمر:
1- أغنية كيفك انت
في إحدى ليالي الشتاء الساكنة، والمظلمة نتيجة انقطاع الكهرباء، جلست السيدة فيروز على أريكتها المفضلة ببيتها في حي “الروشة” المُطل على البحر ببيروت، تستمع إلى ابنها زياد الرحباني وهو يعرض عليها أغنية جديدة كي تغنيها.
يحكي زياد في أحد لقاءاته التلفزيونية كواليس أغنية “كيفك انت”، فيقول إنه أعطى لوالدته، تلك الليلة، شريط الكاسيت الذي سجّل عليه الأغنية، فوعدته أنها ستستمع إليها عند رجوع الكهرباء، لكنه أصر أن تسمعها في حضوره وأعطاها كاسيت صغير يعمل بالبطارية، كان يحمله معه.
“تذكر آخر مرة شفتك سنتا.. تذكر وقتا آخر كلمة قلتا.. وما عدت شفتك..وهلّأ شفتك..كيفك انت ملّا انت”.
بعد أن انتهت فيروز من سماع الأغنية، صمتت لوهلة ثم سألت زياد “ماذا سنفعل بهذه الأغنية؟!”، أجابها: ستغنيها، فردت عليه: هذه الكلمات سوف تحدث مشكلة.
لم تعط جارة القمر ردًا قاطعًا حينها، وفضّلت أن تفكر في الأغنية بتأني، فهي تحتاج مزيدًا من الوقت كي تستوعب كلماتها، التي تُعد لونًا جديدًا عليها وتحتاج جُرأة، حيث تحمل غزلًا واضحًا للرجل في كلمة “ملّا انت” والتي تعني “يا جميل انت”.
يقول زياد إن السيدة فيروز قررت أن تغني “كيفك انت”، بعد أربع سنوات كاملة من تلك الليلة، مُضيفًا أن الأغنية أحدثت جدلًا واسعًا بالفعل وانتقدها الكثيرون بسبب كلمة “ملا انت”، ولكن رغم الانتقادات إلا أن الجمهور تقبلها وكانت الأغنية الأكثر مبيعًا في عام إطلاقها، وأصبحت من الأغاني الأساسية في أي حفل تقدمه فيروز.
2- أغنية عودك رنان
عندما تم إطلاق تلك الأغنية، كانت الحرب الأهلية اللبنانية قائمة، وفسرها البعض تفسيرات طائفية، وأن السيدة فيروز تُغني للمسلمين وللإمام “علي” وللجمهور الشيعي، حيث يقول مطلع الأغنية “عودك رنان رنة عودك إليّ.. عيدا كمان ضلك عيد يا علي.. سمعني العود”.
حكى زياد الرحباني تلك الواقعة، في حوار أجرته معه الإعلامية منى الشاذلي، وقال إن تلك التفسيرات كانت غير صحيحة بالمرة، مُشيرًا إلى أن والدته رفضت حينها الرد على الانتقادات الموجهة لها حتى لا تزيد “الطين بلة” على حد تعبيره، مُضيفًا أن المقصود في الأغنية كان عازف عود في فرقة السيدة فيروز اسمه “علي”.
3- أغنية هدير البوسطة
كتبها زياد الرحباني ضمن مسرحية “بالنسبة لبكرة شو”، كي يغنيها المطرب جوزيف صقر، وأثناء العرض عام 1978، سمعها عاصي الرحباني وأعجب بها فطلبها من ابنه كي تغنيها فيروز، ووافق زياد بالفعل ولكن بشرط أن يشتريها عاصي بـ 500 ليرة لبنانية، وقد كان.
حققت الأغنية نجاحًا كبيرًا عندما غنتها فيروز، ولكنها لم تسلم من الانتقادات، فقال البعض كيف تُغني فيروز كلمات مثل “يخربيت عيونك يا عاليا شو حلوين”، وقال البعض الآخر -خاصة الصحافة والنقاد- بأنها تشجع على الخيانة الزوجية في كوبليه “في واحد هو ومرته ولو شو بشعة مرته… هيدا اللي هو ومرته ع كتافه داخت مرته.. وحياتِك كان بيتركها تطلع وحدها ع تنورين (بلدة لبنانية)..لو بيشوف عيونك يا عليا شو حلوين”.
4- أغنية سألوني الناس
تُعد قصة هذه الأغنية من أشهر القصص المعروفة عن أعمال فيروز، وتبدأ حكايتها عام 1972، بعدما تعرض عاصي الرحباني لنزيف حاد في المخ ولزم المستشفى فترة من الوقت، خلال تلك الفترة لم يتوقف “الرحبانة” عن أعمالهم؛ اقترح منصور الرحباني على زياد أن يقدموا أغنية تعبر عن حزنهم لغياب عاصي، تغنيها فيروز في مسرحية “المحطة”.
وافق زياد وأخبر عمه أن لديه لحنًا ولكن دون كلمات، فسمعه الأخير وأعجب به وكتب كلمات أغنية “سألوني الناس”، وكانت تلك أول أغنية يلحنها زياد لوالدته، وكان عمره حينها 17 عامًا، وحققت الأغنية نجاحًا كبيرًا، ولكن بعد شفاء عاصي انزعج من الأمر وشعر بأنهم تاجروا بمرضه وقرر إلغاءها من العرض المسرحي، ولكنه تراجع بعدما شهد انتشارها ونجاحها.
مرت الأيام، واشتد المرض على عاصي الرحباني حتى توفى عام 1986، وفي أول حفل تقدمه فيروز دون عاصي، غنّت أغنية “سألوني الناس”، وعند كوبليه “لأول مرة ما بنكون سوا” لم تتمالك نفسها وبكت على المسرح.
5- أغنية وحدن
اعتاد الشاعر اللبناني طلال حيدر، كل صباح، وأثناء جلوسه لشرب قهوته، مرور ثلاثة رجال تحت شرفته، يلوحون له ويلقون السلام ثم يدخلون الغابة، ويعودون في المساء.
وفي أحد الأيام، لم يعد الرجال الثلاثة من الغابة، انتظرهم طلال طويلًا لكنهم غابوا، فأصابه قلق شديد أصبح يزداد بداخله بمرور الأيام، إلى أن قرأ في الجريدة، خبر مقتل ثلاثة شبان تسللوا الحدود وقاموا بعملية فدائية في فلسطين المحتلة، فكتب قصيدة “وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان”، التي غنّتها فيروز.
شاهد: أبرز أعمال الفنان القدير حسن حسني بمناسبة تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي