لا تغضب حين تقابلني الساعة الواحدة بعد الظهر وتجدني أحييك بقولي: “صباح الخير”، منذ بداية ظهور الحضارات ومنطقتنا العربية كانت مهدًا لكل ما يمكن أن تتعلمه الدول الأخرى، فالعلوم والفنون والآداب, الزراعة والكتابة والرقي كلها مرادفات لحضارات مثل الفرعونية والسومرية والإغريقية وغيرها.
تغير الموقف وأصبحنا تابعين منساقين للغرب بعد ثورته الصناعية التي تسببت في تقدمه الكبير بينما تسببت أمور أخرى في تخلفنا عن ركب الحضارة، وأصبحنا نتبعهم حتى في التوقيت اليومي.
وكما نقلنا عنهم عادات وتقاليد دخيلة على حياتنا، نقلنا عنهم أيضا التوقيت اليومي، فاليوم يبدأ لديهم بعد الثانية عشر ليلاً، بينما يبدأ الليل لديهم بعد الثانية عشر ظهرًا.
نرشح لك: محمد غنيمة يكتب: عصر الظلام الرقمي
في الغرب لديهم عدة تحيات للأوقات المختلفة في اليوم الواحد، منها صباح الخير ومساء الخير وبينهما تقع “good after noon” وأيضًا “good evening”، وبالطبع لم يستطع العرب ترجمة ذلك إلى “ظهر الخير” أو “أمسية الخير” فاكتفينا بصباح ومساء الخير فقط.
والحقيقة أننا نختلف عن الغرب اختلافًا جوهريًا في مسألة توقيت الأيام والشهور، فالغرب يعتمد في توقيته اليومي والشهري على الشمس فقط، بينما نحن كعرب نتبع الشمس والقمر في توقيتنا، ولدينا أربعة تقويمات أساسية في بلادنا هي:
التقويم الهجري
تقويم قمري يعتمد على دورة القمر لتحديد الأشهر، ويستخدمه المسلمون خصوصاً في تحديد المناسبات الدينية، وفي الشهور العربية نحسب بداية اليوم من الفجر ونهايته وقت غروب الشمس كما في رمضان، وهذه الشهور بالترتيب هي:
1- محرّم: “مُحَرَّم الحَرَام” وهو أول شهور السنة الهجرية ومن الأشهر الحرم، سمي المحرّم لأن العرب قبل الإسلام كان يحرّمون القتال فيه.
2- صفر: سمي صفراً لأن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها للحرب، وقيل لأن العرب كان يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع.
3- ربيع الأول: سمي بذلك لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الاسم.
4- ربيع الآخر: أو ربيع الثاني، سمي بذلك لأنه تبع الشّهر المسمّى بربيع الأول.
5- جمادى الأولى: كانت تسمى قبل الإسلام باسم جمادى خمسة، وسميت جمادى لوقوعها في الشتاء وقت التسمية حيث جمد الماء وهي مؤنثة النطق.
6- جمادى الآخرة: أو جمادى الثانية، سمي بذلكَ لأنّه تبع الشّهر المسمّى بجمادى الأولى.
7- رجب: وهو من الأشهر الحرم، سمي رجباً لترجيبهم الرّماح من الأسنة لأنها تنزع منها فلا يقاتلوا، وقيل رجب أي توقف عن القتال، ويقال رجب الشيءَ أي هابه وعظمه.
8- شعبان: لأنه شعب بين رجب ورمضان، وقيل يتفرق الناس فيه ويتشعبون طلبا للماء، وقيل لأن العرب كانت تتشعب فيه “أي تتفرق”؛ للحرب والإغارات بعد قعودهم في شهر رجب.
9- رمضان: وهو شهر الصّوم عند المسلمين، سُمّي بذلك لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه وقت تسميته، حيث كانت الفترة التي سمي فيها شديدة الحر، ويقال رمضت الحجارة، إذا سخنت بتأثير الشمس.
10- شوال: وفيه عيد الفطر، لشولان النوق فيه بأذنابها إذا حملت “أي نقصت وجف لبنها”، فيقال تشوَّلت الإبل، إذا نقص وجفّ لبنها.
11- ذو القعدة: وهو من الأشهر الحرم، سمي ذا القعدة لقعودهم في رحالهم عن الغزو والترحال فلا يطلبون كلأً ولا ميرة على اعتباره من الأشهر الحُرُم.
12- ذو الحجة: وفيه موسم الحج وعيد الأضحى وهو من الأشهر الحرم، سمي بذلك لأن العرب قبل الإسلام كانوا يذهبون للحج في هذا الشهر.
الشهور السريانية أو الشهور الرافدية
تقويم شمسي مؤلف من 12 شهرًا أصولها في اللغة الآرامية، دخلت اللغة العربية المعاصرة من خلال اللغة السريانية، ثم تم تعريبها.
هذا التقويم هو المعتمد رسميًا في دول المشرق العربي مثل: سوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق، وارتبطت هذه الأشهر بالأمثال الشعبية المتعلقة بمواسم الزراعة والحصاد والأمطار والطقس، ومن هذه الأمثال:
شباط ما عليه رباط “لأن شباط شديد التقلب بين الدفء والبرودة والمطر والصحو، إذ تسطع شمسه ويصفو جوه ويشيع فيه الدفء ثم فجأة يهب الريح ويعم البرد والمطر”.
شباط الخبّاط ما عليه رباط.
شباط لباط روايح الصيف فيه.
آذار أبو الزلازل والأمطار.
آذار الغدار.
إذا إجت “كان المحصول غزيراً” وراها آذار، وإذا أمحلت وراها آذار.
خبي فحماتك الكبار لآذار “دلالة على استمرار موسم البرد في آذار”.
مطر نيسان بيحيي الإنسان.
أيار توت ومشمش وخيار.
بين تشرين الأول وتشرين الثاني صيف ثاني.
أيلول ذنبو مبلول “أواخر شهر أيلول تغمره الأمطار”.
في حزيران بتصير الذرة مثل الخيزران.
تموز يفور الماء في الكوز.
آب اللهاب.
آب اقطف العنب ولا تهاب “في شهر آب يبلغ الحر ذروته، وتنضج الكثير من الفواكه مثل العنب والتين والصبر والبطيخ والشمام وغيرها، ويدعو المثل إلى قطف العنب في هذا الشهر والإنسان مطمئن إلى أنه ناضج وحلو الطعم وطيب المذاق”.
إجى كانون تختبىء ببيتك يا مجنون “دلالة على البرد”.
هواء كوانين “كانون الأول والثاني” يخرق المصارين “يخترق الأمعاء الداخلية”.
بعد كانون الشتا بِهون.
الشهور القبطية
هي الشهور المصرية القديمة المرتبطة بنجم الشعرى اليماني Sirius والتي استخدمها المصري القديم في كل ما يختص بالزراعة والحصاد ولا تزال هذه الشهور تستخدم في الريف المصري المعاصر، لأنها مرتبطة بمواعيد الزراعة والحصاد، وقد استخدمها الأقباط كذلك في عصور لاحقة، ومازال لدي المزارعين أمثال شعبية مرتبطة بما يحدث في كل شهر منهم:
توت “11/12 سبتمبر”: توت ري ولا تموت.
بابة “10/11 أكتوبر”: بابه خش واقفل البوابة “تقاء للبرد”.
هاتور”10/11 نوفمبر”: يقول للبرد طور طور “قم”، “بداية البرد” أو هاتور أبو الدهب منثور “أي القمح” أو إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور.
كيهك أو كياك “10/11 ديسمبر”: صبحك مساك شيل يدك من غداك، وحطها في عشاك “أقصر أيام السنة”، كهك برد فوق وبرد تحت.
طوبة “9/10 يناير”: تخلي الشابة كركوبة “البرد الشديد” أي تقوم الشابة منحنية من البرد، وطوبة برد أعجوبة.
أمشير “8/9 فبراير”: يفصص الجسم نسير نسير “أي من شدة الهواء” أو أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير.
برمهات “10/11 مارس”: روح الغيط وهات “موعد نضج المحاصيل الشتوية”.
برمودة ” أبريل”: برمودة دق العامودة “أي دق سنابل القمح بعد نضجها”.
بشنس “9 مايو”: بشنس يكنس الغيط كنس.
بؤونة “8 يونيو”: تنشف المياه من الماعونة “شدة الحر” أو بؤونه نقل وتخزين المونة “أي المؤنة للاحتفاظ بها بقية العام”.
أبيب “8 يوليو”: أبيب أبو اللهاليب “شدة الحر”، أبيب فيه العنب يطيب.
مسره “مسرى” 7 أغسطس: مسرى تجرى فيه كل ترعة عسرة “ازدياد مياه الفيضان فتغمر الأرض”.
النسى أو الشهر الصغير: تزرع أي شيء حتى لو في غير أوانه وينمو
الشهور القبطية والسريانية بالترتيب:
رقم الشهر | شهور سريانية | شهور قبطية |
01 | كانون الثاني | طوبة |
02 | شباط | أمشير |
03 | آذار | برمهات |
04 | نيسان | برمودة |
05 | أيار | بشنس |
06 | حزيران | بؤونة |
07 | تموز | أبيب |
08 | آب | مسرى |
09 | أيلول | توت |
10 | تشرين الأول | بابة |
11 | تشرين الثاني | هاتور |
12 | كانون الأول | كيهاك |
لهذا، في مسألة التقويم اليومي والشهري، لدى الغرب تقويم واحد فقط بينما لدينا أربعة تقويمات منها ثلاثة عربية خالصة مهمة معمول بها في بعض الدول وواحد فقط غربي نستخدمه تماشيا مع ثقافتهم.
قد يبدو ما أقوله تافهًا، ولكنها ثقافة شعوبنا العربية المختلفة عن الغرب ومازلنا نتعامل بها.
من كل ما سبق، يجب تغيير ثقافة الشعب العربي في التوقيت اليومي، فمن غير المعقول أن تكون درجة الحرارة الساعة الواحدة ظهرًا فوق الخامسة والثلاثين، ثم تجد من يقول لك وهو يتصبب عرقًا “مساء الخير”.
شاهد: هل يتم تعديل قانون منح الجنسية للمولودين على الأراضي الأمريكية؟