حميدة أبو هميلة
هانا بيكر أم إيمان صالح.. لا يهم، سوف نبحث عن أسباب ونلفق قصصا، لن يقف أحد أمامنا، أمريكية أم مصرية، شقراء أم سمراء، ممتلئة أم نحيلة. الحقيقة أن كل هذه الأشياء ليست عوائق أبدا، فنحن لا نطيق البساطة ولا الوجوه التي لا ترتدي أقنعة، نهم بقطع رقاب كل من يسير بعيدا عن خطوط الكتالوج.
هل النسخة الواقعية المصرية من المسلسل الشهير “Reasons Why 13” تبدو أكثر بؤسا؟ من هذا الذي يقارن في الموت والفجائع.. الفتيات يقتلن أنفسهن على مختلف ألوانهن، فيما قاتليهم يتكاثرون هنا وهناك، السواد سواد القلب، لم يكن حظهن أنهن وقعن فقط بين أيدي أصدقاء وتربويين قاسيين ويفطرون القلب بهمساتهم وكلماتهم، ولكن حظهن أنهن كانوا أكثر هشاشة، فالتنمر ليس استثناء، هذه هي قاعدة معاقل التعليم التعيسة على الأغلب، بالتالي هو ليس ذنبا يحاسب عليه أحد.
التنمر لا يفرق بين الذكور والإناث، الصدف وظروف المجتمعات هي من تجعل ضحاياه الفتيات دوما تحت بؤرة الضوء، لكن الحقيقة أن لا أحد ينجو، بعضهم يموت وبعضهم يعيش بعاهة وندوب بالداخل وربما الخارج أيضا.
طالبة بسيطة ومحبة للحياة والتجريب، الكل تناوب عليها مرة بالسخرية ومرة بالاستغلال ومرة بتلفيق القصص واتهامات بأنها “غريبة الأطوار”، المدرسة غير منتبهة لشكواها من جانب والأهل لا يحبون تكبير المواضيع من جانب آخر.. مهلا هذه هي قصة “هانا بيكر” الطالبة في مدرسة أمريكية ثانوية “ليبرتي” والتي قتلت نفسها حينما لم تعد قادرة على تحمل كل هذا التنمر، هل تشبه إيمان صالح؟ هل واجهت الفتاة نفس الاتهامات، والانتقادات القاسية، والنظرات التي تصيبها بالخرس.
الفتاتان الجميلتان بنفس العمر تقريبا، طبيعة سنهما هي التمرد، كانتا تشبهان أنفسهما فقط، الإطار العام كان يضيق بهما، حتى حينما اختارتا الصمت وعدم التفاعل، كانت التعليقات والقصص تزداد سخونة وظلما ورعبا وسوادا.
ماتت هانا بيكر على الشاشة في العمل الذي عرض عبر منصة نتفليكس على جزأين، فيما الواقع لا يزال ملئ بالمواسم المتتالية، والأشد عنفا، يكفي أن حكاية “إيمان صالح” أنقذت بالمصادفة نفسية “بسملة” التلميذة البشوشة التي تعرضت لقسوة معلمها الفاضل حينما سخر من لون بشرتها، فكم من بسلمة أخرى بحاجة إلى الإنقاذ ولا تصل شكواها لنا؟!
تركت هانا بيكر 13 شريطا صوتيا، تروي فيه حكاياتها الحزينة، فيما أبكتنا إيمان صالح بمقطع صوتي عفوي غير مخطط له، لم نفهم منه سوى أنها كانت فتاة صادقة لم تحب التمثيل، وتحاول التغاضي والتعايش مع “الشتائم” التي تأتيها من الكبار العاقلين المحصنين من الهمس واللمز والانتقاد، صوتها كان يحمل حماسا لم يتوائم أبدا مع فكرة إلقائها بنفسها من الشرفة، اصطادتها عبارات المشرفات “المربيات الجليلات” في لحظة يأس خانقة، علهم ينامون ليلهم بهناء وسلام داخلي وسعادة الآن، بعدما تخلصوا أخيرا من مراهقة صغيرة كانت تقلق مضاجعهم وتربك حسابات “قيمهم النبيلة”.
نقدم لك| اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة