من المسئول عن كارثة إظلام مبنى التليفزيون المصرى ماسبيرو فى الساعة الخامسة من مساء السبت الماضى للمرة الأولى منذ إنشاء التليفزيون عام ١٩٦٠؟!.
هل هناك احتمال لوجود عمل تخريبى؟!.
هذا احتمال ضعيف جدا، لكنه غير مستبعد، وحتى فى حالة وجوده فما كان له ان ينجح لولا الاهمال وغياب الصيانة وعدم الكفاءة.
إذن من الذى يتحمل المسئولية؟.
هو حسنى مبارك ونظامه وميراثه وسياساته خصوصا صفوت الشريف الذى حول هذا المبنى إلى أكبر جهاز مترهل ربما فى العالم أجمع، حينما تم اعتماد سياسة تعيين كل من يريد النظام محاباته ومجاملته.
هل معنى ذلك ان المسئولين الحاليين أبرياء من المسئولية فيما حدث ؟.
بالطبع لا، لاننا مازلنا نسير على نفس الكتالوج القديم لأسباب متعددة منها الخوف من اتخاذ قرار شجاع وحقيقى بإصلاح هذا المبنى، ما قد يؤدى لانفجار تبدو الحكومة غير راغبة فى تحمل مسئولياته الآن.
مساء السبت استمعت إلى شهادات بعض من كانوا موجودين أثناء انقطاع التيار. احدهم قال ان التيار الرئيسى القادم عبر خطين انقطع ولكن بصورة غير كاملة، وبالتالى لم يعمل المولد الاحتياطى فورا، وعندما اكتمل انقطاع التيار، وحاول المهندسون الانتقال إلى المولد الاحتياطى، حدث تحميل زائد مصحوبا بعطل مفاجئ قاد إلى هذه الكارثة التى استمرت لأربعين دقيقة.
يضيف هذا الرجل ــ الذى تواجد فى غرفة التحكم الإلكترونى تحت المبنى ــ أن سبب المشكلة الجوهرى هو غياب الصيانة الحقيقية، مصحوبا بتهالك العديد من المعدات والأجهزة، مضافا إليه بعض التهاون والتراخى.
هذا المسئول قال انه رأى بنفسه قيادات التليفزيون تسارع بالنزول من الأدوار العليا جدا إلى هذه الغرفة عبر سلالم المبنى بعد تعطل المصاعد.
المذيعان فى الفضائية المصرية منة الشرقاوى وتامر ناصر قالا لى انهما ومن خلال معرفتهما بعصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون يجزمان انه شخص شجاع ويتحمل المسئولية.
اعرف عصام الأمير وكذلك مجدى لاشين رئيس التليفزيون منذ عام ١٩٨٢، واعرف رغبتهما فى النجاح وتجاوز الفترة الحرجة، لكن الحقيقة ان مأساة ماسبيرو أكبر بكثير من نوايا كل المسئولين بما فيهم الحكومة نفسها وكل وزرائها.
هذا المبنى به كل عيوب ومشاكل المجتمع المصرى، مضافا إليها مأساته الخاصة، المتمثلة فى الترهل وغياب التدريب والتأهيل وقلة الابتكار وتربص بعض الفضائيات الخاصة.
أحد الإداريين ــ الذين يعرفون هذا المبنى جيدا ــ قال لى إن المكان ينقصه «الحزم والعين الحمرا» خصوصا مع السائقين الذين كونوا امبراطورية لا أحد يستطيع ان يلمسها نهاية بآلاف الموظفين الذين يتقاضون أجورهم من دون ان يذهبوا للمكان منذ سنوات. يعتقد هذا الإدارى أن المبنى يحتاج إلى «هزة عنيفة» وإعادة هيكلة لا تبقى إلا الكفء والمؤهل، والباقى يتم تسكينه كموظف فى أى جهة حكومية ذات صلة حتى يبلغ سن المعاش.
لكن البداية الحقيقية ان تقرر الحكومة والدولة ما هى رؤيتها لهذا المكان وماذا نريد منه، وما هى الامكانيات المتاحة وما هى العيوب والثغرات، بعدها يمكن البدء فى الإصلاح شرط ان تتوافر إرادة ثورية حقيقية خلاصتها ان تعطى الحكومة هذا المبنى الاستقلالية فى الإدارة، وبعض الحرية فى المحتوى، حتى ينافس فعلا بقية القنوات الخاصة، ويكون إعلاما قوميا بحق يؤدى دوره بمهنية أولا، ويدافع عن هموم ومشاكل كل المجتمع.
هناك نقاط ضوء كثيرة فى هذا المبنى، وهناك كوادر حقيقية ذات كفاءة، لكنها تضيع للأسف وسط غابة العمل بعقلية الموظفين، أو الخوف أحيانا من اغضاب الدولة، والنتيجة ان البعض يتساءل أحيانا عن امكانية ماسبيرو على الاستمرار بهذه الطريقة.
نقلاً عن”الشروق”