زيارة خاصة لمنزل شادية.. كواليس الاعتزال وأسرار السنوات الأخيرة

زيارة وحوار: أمنية الغنام

في منزل شادية تواجد “إعلام دوت أورج” لتجري أمنية الغنام أول حوارٍ مع أسرتها بعد وفاتها، يوم طويل قضته “الغنام” لتكشف كواليس السنوات الأخيرة لمعشوقة الجماهير “الحاجة شادية”..

زوجة ابن شقيقها تروي لأول مرة:

قصة آذان الفجر الذي جعلها تقرر الاعتزال

لماذا أصاب شادية الاكتئاب؟

ما وصية الشيخ الشعراوي لها لتتقبل وفاة والدتها بصبر؟

بكاء وانهيار كمال الشناوي على الهاتف بسبب شادية

هل كانت شادية “حماة” صعبة؟

من الفنانة التي كانت “تعشق” تمثيلها وتصفها بالتلقائية؟

ماذا قالت عن سمية الخشاب وحال الفن حاليًا؟

كيف انتقمت لكرامتها من فريد الأطرش؟ ولِمَ تزوجت غيره بعدما اشترت فستان زفافها منه؟

من هو حب حياتها؟

ما مصير فستانها الأحمر الشهير التي غنت فيه “يا حبيبتي يا مصر”؟

ما قصة حفنة الرمل التي أهداها لها أمير عربي واحتفظت بها حتى وفاتها؟

ابن شقيقها يروي:

كواليس زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لها قبل وفاتها.

تعرف أيضًا على:

وصية شادية قبل وفاتها.. وما علاقة علم مصر بها؟

ما سر الأسماء المدونة في دفتر صغير بجوار أجندة هاتفها؟

ما الاسم الذي أوصت حفيدها بأن يطلقه على ابنته؟

في لحظات غيبوبتها كانت تفيق لتطمئن على من؟

رد فعل أسرتها على تسريب صورتها في العناية المركزة.

اللاعب الوحيد الذي سمحت له شادية بزيارتها في المستشفى عام 2012

شادية.. لوحت بالعلم للناس من شرفتها في ثورتين.

من هو الطبيب الذي أنقذ حياتها مرات عدة لمدة 28 عامًا؟

من التي رافقتها في نعشها وكفنتها بكفنها؟

وصية شادية الأخيرة: “نفسي ما اتوجعش”

لا أدري كيف لي أن أكتب مقدمة حوارٍ كثيراً ما تمنّيت أن تُتاح لي الفرصة لإجرائه، فقد غابت عني الكلمات والتعبيرات، وتداعت في ذاكرتي مشاهد جنازتها التي قمت بتغطيتها العام الماضي، فهل أصف سعادتي بلقاء أفراد أسرتها في المنزل الذي قضت فيه آخر ٦سنوات من عمرها؟ أم أعبر عن فرحتي لتواجدي في مكان شهد أحاديثها وضحكاتها؟ مكان ربما لم تُفتح أبوابه من قبل أمام عالم الصحافة، أم أُعبر عن امتناني لرب العالمين بأن وافق موعد اللقاء يوم المولد النبوي الشريف؟ فيكون الحديث عنها في ذكراها الأولى مشابهاً لآخر لقاء لها بجمهورها في الليلة المحمدية منذ أكثر من ٣٠ عامًا قبل اعتزالها.

في تمام الثامنة مساءً استقبلتني بكل الود والترحيب أسرة الفنانة الراحلة شادية، ابن أخيها السيد خالد طاهر شاكر، والسيدة زوجته سحر شاكر وأحد أبنائهما يوسف خالد شاكر، تم اللقاء في منزلهم الذي أقامت فيه شادية إقامة كاملة منذ ٢٠١١ حتى رحيلها في ٢٨ نوڤمبر ٢٠١٧.

نرشح لك: تسجيل صوتي لـ شادية يُذاع لأول مرة

في تمام الثامنة في شارع الجيزة بحي الدقي وأمام الباب الحديد للشقة الكائنة بالطابق الثاني، يمين المصعد، كنت أقف في انتظار من يفتح لي الباب لأطل في فرصة قد تكون نادرة الحدوث وربما نادرة التكرار على المكان الذي شهد السنوات الأخيرة في حياة معبودة الجماهير.. ثوانٍ معدودة وكانت في استقبالي السيدة سحر شاكر زوجة السيد خالد طاهر شاكر ابن أخ الفنانة الراحلة شادية.

لفت نظري بخلاف حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وفخامة الأثاث والديكور، غياب أي صورة أو بورتيريه لشوشو -الاسم الذي كانت تحب أن تنادى به- علمت بعد ذلك أنها كانت لا تحب هذا الأمر.

بعد بداية حواري مع سحر شاكر بحوالي الربع ساعة في الصالون الذي شهد تجمع الأسرة حول الفنانة شادية كل يوم جمعة، دخل علينا شاب في العشرينيات من عمره وفي المرحلة الجامعية.. يحمل كثيراً من ملامح شادية ويتسم بأدب جم.. يوسف خالد طاهر الذي أتى من تدريبه الرياضي مخصوص، مؤكدا لوالدته رغبته في لقائي ليتكلم قليلاً عن شادية.. لارتباطه الشديد بها.

بداية الحديث كانت مع سحر شاكر التي قالت التالي عن شادية:

-أرادت أن تكون الليلة المحمدية سنة 1986 التي تغنت فيها برائِعتها “خد بإيدي” للشاعرة علية الجعّار هي ختام أعمالها الفنية، فعلى حد تعبيرها كانت تقول: “كنت حاسة إن في جوايا نور”، فقد كانت بالفعل اتخذت قبلها قرار الاعتزال.

-في أحد الأيام وجهت لها سؤالاً واضحاً ومباشراً عن السبب الحقيقي وراء اعتزالها وهي في قمة نجاحها مع العرض المسرحي “ريا وسكينة” فأجابت: “كنت في أحد الأيام معزومة على العشاء في منزل المنتج المسرحي سمير خفاجة بعد الانتهاء من أحد عروض مسرحية ريا وسكينة في الأسكندرية -كانوا دائماً ما يجتمعون عنده أو في سان جيوفاني- وكان عددنا كبيرًا، وسمعت آذان الفجر وكنت أسمعه يوميًا لكن هذه المرة سمعته بشكل مختلف وشعرت أنه لا بد وأن يتوقف شيء ما في حياتي لأبدأ حياة مختلفة تماماً”. فبيّتت النية للاعتزال بمجرد الانتهاء من آخر التزاماتها الفنية في تصوير بعض المشاهد المتبقية من فيلم لا تسألني من أنا، وكانت وقتها قد أنهت آخر عروض مسرحية ريا وسكينة للموسم الصيفي.

نرشح لك: أسرار عن كفن شادية ووصيتها وزيارتها للشعراوي

-بعد الليلة المحمدية ذهبت مباشرة لأداء العمرة لتعود إنسانة مختلفة تماماً متمسكة بقرارها لدرجة أن عرضت عليها إحدى الإذاعيات الشهيرات في الإذاعة المصرية أن تسجّل بصوتها أدعية دينية فكان ردها عليها: “أخاف إني أقولك آه ويجرفني التيار تاني، أنا مشيت في طريق ومش هرجع فيه”، ورفضت رفضاً تاماً.

-بمناسبة الليلة المحمدية أذكر أنها المرة الوحيدة التي أخذتني معها لمكان عملها وكانت تجري بروفاتها في الإذاعة؛ فوجئت بها تلتفت إليّ وتسألني أمام الموسيقيين عن رأيي ولأني لا أعرف جيداً في هذا الشأن جاء ردي: “فُل يا شوشو” فضَحِكَت.

-جاءتها عروض فنية كثيرة جداً لكنها لم تخضع وكانت تقول: “ساعدوني علشان أقدر أكمّل مشواري”، ولمن كان يصفها بأنها تركت طريق الضلال وعرفت طريق الحق أقول لهم بأن شادية لم تكن يوماً بعيدة عن طريق الله فطوال عمرها كانت تصلي أثناء عملها وهي في التصوير وكانت تحرص على الصيام فدائماً ما كان عندها شيء ربّاني.

-أول معرفتي بشادية كانت 1984 بعد زواجي من خالد طاهر شاكر ابن أخيها، وشهدت أول أربع سنوات من تعارفنا توتراً في العلاقة بيننا، فخالد بالنسبة لها الابن الذي لم تنجبه، فعندما أخذته والدته التركية التي تزوجت “طاهر” شقيق “شادية” لمدة ثلاث سنواتٍ، وسافرت به إلى إسطنبول لسبب ما دون رجعة، أرسلت شادية لإحضاره وعمره سنتان ونصف ليعيش معها، وظل مقيماً عندها إقامة كاملة، لدرجة أنها بعد زواجها من الفنان صلاح ذو الفقار حدث حمل أكثر من مرة، ظلت في إحداها ملازمة للفراش دون حركة تماماً لمدة ٦ أشهر لكنه للأسف لم يكتمل، فطلب منها طاهر أخوها أن يأخذ خالد عنده في تلك الفترة، لكنها رفضت بشدة وكانت تقول فيما معناه إذا أنجبت السيدة طفلا آخر هل معنى ذلك أن تفرط في ابنها الأول؟ وأكدت عليه: “ده ابني ومش هاتخده”، وبالفعل عاش معها خالد ولم يفارقها حتى زواجي منه عام 1984، وربما كان ذلك السبب في التوتر في بداية علاقتي بها وشعورها أن هناك من يشاركها فيه.

-بعد اعتزالها وسفرها للعمرة مدة طويلة عادت وأجّرت شقة في البلوك الثاني في نفس العمارة التي كانت تسكن بها في الجيزة، وقام المهندس نهاد بهجت بتنسيقها ليجعل تقريبا من نصف مساحة الشقة جناحا خاصا مستقلا لها يشمل الآتي: ركن السرير مع الكومود وترابيزة للأدوية وأدراج لأشياء بسيطة.. وركن مخصص للصلاة وقراءة القرآن.. وركن به جهاز تليفزيون مع أنتريه تجتمع عليه الأسرة يوم الجمعة، بالإضافة لدولاب بلاكار مكون من ١٢ ضلفة وأخيراً مطبخ صغير وحمام خاص.

-برغم شخصيتها التي تجمع المتناقضات إلا أنها كانت في غاية الذكاء وتستطيع قراءة الشخص بمجرد دخوله عليها ولا تثق مباشرة بمن حولها؛ ومع أنها حساسة جداً من داخلها إلا أنها لا تحب أن تظهر ضعفها لمخلوق، فأذكر يوماً سنة 1987 أن اشتدت الشيخوخة على والدتها خديجة، أو “أنّا” -كما كانت تدعوها- وكانت تقيم مع شادية في بيتها وكان لا بد من نقلها للمستشفى، وكنت أنا متواجدة هناك بالصدفة فبدأت بإجراء الاتصالات مع الإسعاف والتعامل مع الأطباء وعمل جدول لها بمواعيد الأدوية، وبدأت في إدارة الأمور، هُنا شعرت شادية بأنني شخصية مختلفة وبدأت جسور الثقة بيننا.

-كانت شادية تعتبر ليلى ابنة أختها سعاد بمثابة ابنتها، كانت تحبها كثيراً وتدلّلها، حتى أنها في يوم ما بعد انتهائها من تصوير مشاهد أحد أعمالها وكانت الساعة قاربت على ٣ صباحاً توجهت لمنزل أختها وأخذت تطرق الباب ودخلت لتوقظ ليلى من نومها وتنهال عليها بالقبلات والأحضان، وكثيراً ما حرصت على اصطحابها معها في الأستوديو.

-الفترة الوحيدة التي عانت فيها شادية من اكتئاب شديد ومرت بحالة نفسية صعبة كانت فترة مرض والدتها خاصة قبل رحيلها عام ١٩٩٣ بسنة و١٠ أشهر؛ كانت والدتها تبلغ من العمر ٩٦ عاماً، وكانت تقوم على خدمتها بنفسها وتشعر بالعجز لعدم رفع المعاناة عنها.

نرشح لك: سبب هوس شادية بشراء “العرائس”

-قبل وفاة والدتها بمدة قصيرة جداً بدأت حالة شادية وشعورها بالاكتئاب في التحسن لأن الدكتور عبد العزيز الشريف المعالج لها كتب لها الأدوية المهدئة التي تخفف من إحساسها باليأس، بالإضافة إلى أن الشيخ الشعراوي كان ينصحها بقراءة أحاديث و آيات معينة من القرآن “كوِرْد”، لذلك جاء استقبالها لوفاة والدتها هادئاً، وتلك ملكَة كانت تتمتع بها، فدائمًا ما كانت تستقبل الأمر الواقع بمنتهى الرضا وهذا ينطبق بالطبع على حرمانها من الأمومة.

-هوّن عليها فترة مرض والدتها اتصالات من الفنانة هدى سلطان التي حزنت شادية جداً عند وفاتها، الفنانة ليلى فوزي، تحية كاريوكا، فاتن حمامة وبالطبع الفنان كمال الشناوي فقد كان يحبها جداً هو وزوجته ويسألان عنها باستمرار، وأذكر في إحدى المرات عندما أجرت شادية عملية في العين اتصل بها وهو في حالة انهيار وبكاء للاطمئنان عليها.

صورة نادرة لصباح وشادية بعد اعتزالها

-لم تندم أبداً ولا في أي يوم من الأيام على اعتزالها الفن، وعاشت من بعده على مدار ٣٣ سنة بنفس الوتيرة والإيقاع حيث كانت مواظبة على صلاة الفجر وقراءة القرآن، ثم النوم لتستيقظ ٩ صباحاً فتصلّي ركعتين ثم تتناول طعام الإفطار وتقرأ الجرائد وتقوم بحل الكلمات المتقاطعة، بعد ذلك تصلي الضحى وتقرأ القرآن، وبعد صلاة الظهر يبدأ يومها فتجري بعض الاتصالات التليفونية أو تشاهد التلفزيون أو تتابع شئون البيت مع من يقوم عليها حتى صلاة العصر، بعدها تتناول طعام الغذاء ثم تنام وتستيقظ قبل المغرب وتنتظره للصلاَة، وما بين المغرب والعشاء الوقت المخصص بالكامل لقراءة القرآن الكريم ولا يجرؤ أحد أيّا كان على مقاطعتها فيه، فقد اعتادت قراءته بصوت خافت، وبعد العشاء كانت تحرص على مشاهدة بعض المسلسلات ثم تذهب للنوم للاستيقاظ قبل الفجر بنصف ساعة.. وهكذا، وعندما كنت أسألها عن حرصها على ضبط مؤشر المنبه قبل كل آذان بنصف ساعة كان ردها: “علشان أنا اللي أستنى الآذان مش الآذان اللي يستنّاني”. ومنذ اعتزالها وحتى ٢٠٠٦ كانت مواظبة على صيام يومي الأثنين والخميس دون انقطاع حتى توقفت بأمر طبيبها.

-كان يتخلل روتين حياتها زيارة من بعض الاصدقاء مثل زوجة الدكتور رمضان الشرّاح من الكويت وابنتيها نور ونوارة وأخته عند قدومهن لمصر كل عام، ويُعتبرن من الغرباء القلائل الذين فتحت لهن شادية بيتها نظراً لعلاقتهن القوية بالكاتب محمد سعيد الذي كانت تعزه وتقدره كثيراً.

-من المسلسلات التي كانت تتابعها، مسلسل ريا وسكينة، وكانت تعشق الفنانة عبلة كامل وتصفها بالتلقائية والطبيعية الشديدة، كما كانت ترى في الفنانة سمية الخشاب قدرات تمثيلية ممتازة؛ كانت تحب الفنانة منى زكي في مسلسل الضوء الشارد ولم يكن يفوتها عم للفنان لطفي لبيب، “كانت بتتفرج عليه دائماً خاصة مسلسل أزمة سكر”، وكانت ترى الحالة الفنية في هبوط مستمر وتقول: “ما فيش ورق”.

-صلاح ذو الفقار هو الحب الأساسي في حياة شادية لكنه كان رجل ذو شكيمة وذو طبيعة عسكرية، مع قوة شخصيتها، مما جعل الحياة بينهما صعبة، لم تصرح يوماً برأيها في الفنان فريد الأطرش ولم تتكلم عنه أبداً ولم تحب أن يتناول أحد سيرته أمامها فهي في فترة ما كانت على وشك الزواج به، واشترت بالفعل فستان الزفاف وتم تحديد موعده ولكن قبله بأسبوع اتصل بها فريد ليخبرها بأن تؤجل الزفاف لأنه مسافر ولا يعلم ظروفه، فما كان منها بعد أن أغلقت السماعة سوى الاتصال بعزيز فتحي وكان يرغب في الزواج منها وأخبرته أن يأتي بالمأذون فوراً، وفعلاً كان خبر زواجها منشوراً على صفحات الجرائد في اليوم التالي واستمر ذلك الزواج ٥ أشهر، “يعني رمت بنفسها في التهلكة ثأراً لكرامتها من فريد الأطرش”، أما رأيها في زوجها الأول الفنان عماد حمدي أنه أحسن رجل ممكن أن تتزوجه المرأة لولا غيرته الشديدة.

-تبرعت شادية بكل فساتينها ووزعتها على حياة عينها بما فيهم فستانها الأحمر الشهير الذي غنت به يا حبيبتي يا مصر، وساهمت في زيجات كثيرة ورفع هموم الديون عن كثير من الناس الذين لجأوا إليها سواء ممن كانوا يعملون معها في مجال الفن أو بعض المعارف فقد كانت تهتم بالأعمال الخيرية، وبنت مسجدا ومستوصفا ظلت تتابعه حتى وقت قريب قبل وفاتها.

-من الأشياء التي احتفظت بها شادية ولها معزة خاصة عندها وكانت تضعها في الركن الخاص بها للصلاة، حفنة من رمل جبل عرفات أرادت الحصول عليها أثناء أدائها أول عمرة لها بعد الاعتزال، فقام أحد الأمراء السعوديين بإهدائها إيّاها وما زالت موجودة حتى الأن.

حفنة رمال من جبل عرفات
حفنة رمال من جبل عرفات

-أذكر يوماً أنها اتصلت بمنزلي ولم أكن موجودة وأخبرتها الخادمة بوجود خالد لكنها لم تحدثه واتصلت بي على المحمول وقالت لي: “يا سحر أنا تعبانة” وهي لا تقول ذلك لمخلوق إلاّ وهي فعلاً تشعر بالتعب الشديد.

(تدخّل في الحوار خالد شاكر معلقاً).. فعلاً كان عندها عزة نفس عالية جداً وكان الهدف الأسمى بالنسبة لها هو أن تكون مستورة ومحتفظة بكرامتها وقد كرمها الله بهذه النعمة فظلت كذلك حتى آخر يوم في عمرها، وقد تم تكريمها في آخر سنوات عمرها أكثر من مرة كان آخرها حرص السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، على زيارتها في المستشفى ونزوله رأساً من المطار قادما من شرم الشيخ إلى المستشفى مباشرة للقائها وللاطمئنان عليها، وحقيقةً مؤسسة الرئاسة كانت مهتمة جدا بها منذ إصابتها بجلطة في المخ وحتى آخر لحظة في حياتها.

نرشح لك: نجوى فؤاد: “شادية كانت بتخلص أجر أفلامها على العمال”

يستمر خالد شاكر في الحديث قائلاً: كان لها ارتباط غريب بالرئيس السيسي فعندما نزلنا في 30 يونيو وعدنا بصُورِه وكان وقتها مشيرًا، طلبت منا أن نعلّق الصورة في مقابل مكان جلوسها، وبدأت تركز أكثر عما يجري من أحداث فاستيعابها لها لم يكن كاملاً، ونحن في المقابل لم نكن نضغط عليها بشرح ما يحدث بالرغم من حرصها على متابعة الأخبار، ولم تكن في وعيها عندما زارها الرئيس فقد كانت في شبه غيبوبة، وكانت زيارته يوم الجمعة التي تسبق ثلاثاء رحيلها.

تتابع زوجة ابن شقيقها:

-في مرة من المرات أثناء مشاهدتنا للتلفزيون عُرضت بعض المشاهد المتعلقة بالموت والغُسْل بعد الموت فوجدت شادية تنظر لي وتقول: “بأمّنك لما أموت إنتي اللي تغسليني”، ورددت عليها: “وأنا بأمنك بعد ما أموت محدش يدخل عليا غير أختي”، وبدأَت تقول تفاصيل منها: “يا سلام لو كمان غطتًوني بعَلَم مصر”، واعتبرنا كلامها وصية وفعلاً أحضرنا ٣ أعلام مختلفة الأحجام لاختيار الأنسب لتغطية النعش كما ظهر.

-من التكريمات التي كانت عزيزة على قلبها حصولها على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون حيث زارتها الدكتورة أحلام يونس رئيس الأكاديمية في المنزل لتسلمها درع التكريم، والتكريم الآخر هو وسام النيل الذي منحها إياه الرئيس الأسبق المستشار عدلي منصور وتسلّم الوسام خالد شاكر، وهنا أذكر واقعة ما تتعلق بالكلمة المسجلة بصوت شادية وتمت إذاعتها في حفل التكريم فالذي سجل لها هذه الكلمة هو خالد بعد ما قمت بتشجيعها على ذلك بأن مصر هي التي تكرّمها وليس بالضرورة أن تكون كلمتها موجهة للرئيس عدلي منصور بقدر ما هي موجهة لمصر وبالفعل خرجت الكلمات من قلبها وتم التسجيل بعد إعادته حوالي ٥ مرات نظراً لضعف صوتها.

-كانت دائماً كريمة ومعطاءة مع القريب والغريب، وكانت متكفلة تقريباً بكامل عائلتها ومن يقومون على خدمتها ورعايتها، كان لديها دفتر تحتفظ به لجوار أجندة تليفوناتها، هذا الدفتر لم أحاول أبداً معرفة ما بداخله حتى وقت قريب قبل وفاتها، وجدت بداخله قائمة من الأسامي أمامها مبالغ مالية غير قليلة تُصرف لهم شهرياً، وكان لهم الأولوية المُطلَقة ومهما كانت ظروفها المادية تسمح أو لا، والذي كان يتابع ذلك الأمر وأمور أخرى مالية كانت تستأمنه عليها هو سائقها الخاص عمرو ابن الأسطى عزام سائقها الأول، هذه المبالغ يتم صرفها لأصحابها بالكامل حتى اليوم.

نرشح لك: مفاجأة: صورة شادية المثيرة للجدل قديمة وهذا عمل صاحبها

-دخلت شادية المستشفى ٤ مرات، ذكر منهم مرة عام ٢٠١٢ كنت في طريقي للسفر لزوجي خالد في العين السخنة، وبعد وصولي بدقائق فوجئت بها تتصل بي تليفونياً وتخبرني: “أنا تعبانة يا سحر” فأسرعت عائدة إليها لأصل في الساعة ١ صباحاً؛ وجدتها في حالة صعبة وعندها نزلة شعبية حادة فاتصلت بالطبيبة عالية عبد الفتاح، وكانت مقرّبة جداً لقلب شادية، فأتت إليها وبعد فحصها وجدنا نسبة ثاني أكسيد الكربون في دمها وصلت ٦٧٪؜، وأن هناك احتمالا لوضعها تحت جهاز التنفس الصناعي إلاّ أنني رفضت ذلك بشدة إلى أن علمنا بوجود جهاز يشبه في عمله جهاز التنفس الصناعي وليس مثله، وبالفعل ظلت شادية في الإنعاش ١٢ يوماً أعقبها حوالي شهر كامل في غرفة المستشفى، وبعد شفائها ومع آخر يوم امتحانات ثانوية عامة لابني مصطفى أخذتها هي والممرضات بالأجهزة بالسرير الطبي وسافرنا الساحل، حيث استضافنا السيد منصور عامر صديق زوجي منذ الطفولة في جولف بورتو مارينا لقضاء فترة النقاهة، وكان ذلك قبل دخول رمضان بـ١٠ أيام فأمضينا رمضان كله والعيد، وكانت هذه أول مرة تخرج فيها شادية من حوالي ٢٧ سنة، وكانت سعيدة بجلوسها في “التراس” والاستمتاع بالخضرة والهواء النقي.

( بدا التأثر على وجه حفيدها يوسف خالد شاكر- الطالب الجامعي والذي يحمل الكثير من ملامح شادية- فالتفت إليه أسأله عن السبب فقال:

علاقتي بشوشو – وهو الأسم الذي يناديها به الجميع دون استثناء- علاقة مختلفة فدائماً ما كنا نتحدث وكثيراً ما سمعت مني، ومازلت أذكر كيف كانت تهتم بي بعد عودتي من المدرسة، بل وتحرص على أن تطمئن عليّ وقت الفجر وتقوم بتغطيتي في الفراش، وعندما جاءت سيرة وجودها في الإنعاش تذكرتها وهي ممسكة بيدي بالساعات دون أن تتركها ودون أن أتركها أنا الآخر واستمر ذلك طوال

ثلاثة أيام حتى بدأت تفيق تدريجياً وقالت لنا بعد ذلك: “أنا كنت بفتح عيني أشوف يوسف أطّمن وأنام”. كنت أداعبها عند عودتي من الخارج فأناديها يا شادية فترد علي وهي ضاحكة.

حفيد الفنانة شادية

كنا دائما ما نشاهد المسلسلات معاً وكنا نضحك كثيرا على مسلسل “أزمة سكر”، وكنت آتي لأضمها بقوة فتستنجد بوالدتي التي تأتي مسرعة وهي تقول “هموّته” فترد شادية “لأ خلاص إوعي تموّتيه”، بالمناسبة شادية كانت لا تحب أن تشاهد أعمالها إلاّ نادراً. وكانت تقول لي: “أنا طبعاً لن أرى زوجتك لكن إذا رزقت ببنت سميها فاطمة”.

يعود الحديث لسحر شاكر:

استاءت أسرة شادية عندما نشرت إحدى المواقع الالكترونية صورتها وهي في العناية في مرضها الأخير، وقمت بالاتصال برئيس التحرير وعندما قدمت نفسي إليه رد قائلاً: “آه خلاص خلاص شلتها” ولما أوضحت له أن الضرر قد وقع بالفعل أجاب: “كلّميني كمان ربع ساعة”، فما كان مني سوى أن قلت له إن تصرفه هذا تسبب في تحويل طاقم كامل من الأطباء والممرضين للنيابة العسكرية -كانت المستشفى التي توفيت فيها شادية هي الجلاء العسكري.

-من النوادر التي كانت تحكيها وتضحك، وقت أن كانت تقوم بتصوير أحد الأفلام مع الفنان إسماعيل يس ومع شعورها بالتعب والجوع توجهت هي والمخرج والمنتج لتناول طعام الغذاء في محل سمك في الهرم اسمه “خريستو” وعند عودتهم تذكروا أنهم لم يصطحبوا معهم اسماعيل يس وأول ما وقعت عينه عليهم قال لهم: “إيه خريستو ليه”.

-شادية كانت أهلاوية متعصبة وكان لها عضوية عامله ثم شرفية في النادي الأهلي، والوحيد الذي سمحت له بالدخول عليها وهي في المستشفى سنة ٢٠١٢ هو الكابتن محمود الخطيب وزوجته نيرڤين، وكانت أول مرة تراه أثناء تأديتها للعمرة ووصفته بالوجه البشوش ذو السماحة.

-في ثورتي ٢٥ يناير و30 يونيو كان أمامنا أحد المحال عند فتحه يقوم بتعليق الميكرفونات ويشّغل أغاني يا حبيبتي يا مصر ويا أم الصابرين، فكنت آجخذها من يدها وأخرج بها للبلكونة وهي ممسكة بعلم مصر وتلوّح به للناس الذين يلوّحون لها بالمقابل.

-كانت تحب كثيراً لقب “يا سيدتي” الذي أطلقه عليها الدكتور الخاص عاصم عبد الرحمن زيادة، صاحب الفضل عليها في إنقاذ حياتها أكثر من مرة على مدار ٢٨ عاماً.

-الحاجة ياسمين الخيام وقفت بجوارنا كثيراً وكانت خير عون، وكانت يومياً على مدار الـ٢٨ يوما الأخيرة في حياة شادية تأتي لزيارتها والاطمئنان عليها، حتى إنها من رافق نعشها في عربة الإسعاف، بل إن شادية تم تكفينها بالكفن الخاص بالحاجة ياسمين والمزمزم بماء زمزم.

-أبداً لم تقل لي أنها تتمنى شيئاً معينا، وكان كل ما تتمناه من رب العالمين أن تظل بصحة وعافية لآخر لحظة من عمرها، وكانت كلمتها: “نفسي ماتوِجِعْش”.

نقدم لك: نجوم خطفهم الموت في سن صغيرة، لكنهم استطاعوا ترك بصماتهم في العديد من الأعمال