علياء طلعت
البعض ينظر إلى الأفلام القصيرة نظرة فوقية، باعتبارها أقل قيمة من نظيرتها الطويلة، ولكن الاختلاف الأكبر الذي قد يفصل النوعين عن بعضهما البعض –غير المدة الزمنية بالطبع- هو الميزانية التي يتم وضعها لكل منهما، غير ذلك كلاهما ينتميان لنفس النوع الفني بمحدداته وقواعده، وعلى العكس من المتوقع فالأفلام القصيرة قد تكون السبيل الأفضل لصناع الأفلام لتقديم ما يرغبون به كاملًا، والتقيد بصورة أقل بقواعد الإنتاج والتوزيع القاتلتين أحيانًا لروح الفنان.
ومنذ خمسة سنوات دأب مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على تقديم مسابقة سينما الغد للأفلام القصيرة، وهذا العام قاد هذه المسابقة الناقد “أندرو محسن” وعلى مدار أربعة أيام حضرنا عروضا مميزة من الأفلام القصيرة، كان أغلبها كامل العدد، ليصبح الحصول على تذكرة أمرًا يجب الأحتياط له من قبل العروض بيوم.
وفي هذا التقرير سأتحدث عن أفضل 5 أفلام شاهدتها في مسابقة سينما الغد هذا العام.
1- إخوان.. الخوف لا يدق الأبواب بل يقتحم البيوت
فيلم تونسي بالمشاركة مع كندا والسويد، من إخراج وسيناريو مريم جوبار، يبدأ الفيلم بعائلة تونسية عادية في البراري، أم يبدو عليها الحزن، وأب وطفلين، تضطرب العائلة عندما يعود الابن الأكبر الذي كان منضم لداعش في سوريا، فيحتار المشاهد بين فرحة الأم وقلق وغضب الأب، ويتعرف على الرعب السائد في تونس سواء من هجرة الأبناء للأنضمام لداعش، أو حتى عودتهم محملين بأفكار لن تجلب سوى الخراب.
حمل فيلم إخوان العديد من المزايا، سواء بالتمثيل الحقيقي والمتقن من كامل أفراد الفريق وخاصة الأم والأب صالحة نصروي ومحمد حسين جربا اللذان استطاعا نقل حالة الخوف والحيرة والغضب بنص محدود وكلمات قليلة.
أما عن مريم جوبار كمخرجة فقد بدأت الفيلم بمشهد مقرب على خروف قتله الذئب، ودمه يلطخ ملابس أحد الأولاد، لا نرى دم آخر، ولكن يبقى عالقًا في ذاكرة المشاهد طوال الوقت، لأن الدم والقتل أحد أبطال الحكاية الأصليين، ويستمر اختيار الكادرات الذي يقول الكثير على الدوام حتى النهاية في مشهد البحر الهائج الذي يزوره الأولاد فلا نعلم هل يعني الغرق والضياع، أم هو وسيلة لتطهير الولد من ذنوبه التي جناها بالتأكيد خلال فترة انضمامه لداعش؟!
2- آخر طلب.. عن إثارة الحياة المملة
فيلم فيلبيني للمخرجة جوجي فيلانوف ألونزو، مدته 18 دقيقة مصور في لقطة واحدة طويلة باستخدام الكاميرا المحمولة، تدور أحداثه من وجهة نظر عامل في مطعم على وشك الإفلاس وإغلاق أبوابه، ما بين همه الشخصي في البحث عن عمل آخر، والمواقف اليومية التي يتعرض لها خلال عمله التي تضيف على حياته المملة بعض من الإثارة.
الفيلم أيضًا عن الرأسمالية التي تجتاح حياتنا في كل بلاد العالم منذ سنوات، فمشهد النهاية يتمثل في النادل الشاب وهو يقف بالخارج بعدما أغلق المطعم فتمر بجواره دراجة نارية لأحد مطاعم الوجبات السريعة التي ساهمت بانتشارها في إفلاس المطاعم الصغيرة التي تقدم أكثر من وجبات عالية السعرات الحرارية لزبائنها، مثل الصحبة والعلاقات الأجتماعية، وهو ما يرجعنا مرة أخرى لبداية الفيلم ومجموعة الأصدقاء في سن الشيخوخة الذين يبدون معتادين على ارتياد المكان قبل إغلاقه.
حضرت المخرجة ومدير التصوير ندوة لمناقشة الفيلم بعد عرضه، وتحدثت خلالها عن صعوبات صناعة هذا الفيلم، وتصويره بسبب كونه وان شوت، فيجب أن يتم تصوير ال18 دقيقة كاملين ثم تحديد هل هم مناسبين للعرض ام لا، وذكرت إنه تم تصوير الفيلم 17 مرة قبل وقوع اختيارها على النسخة التي عُرضت، وتحدث مدير التصوير كذلك عن تجربة التصوير بالكاميرا المحمولة في فيلم تسوده التلقائية فلا يعرف اتحاه حركة الممثل الرئيسي ويعتمد على التوقع فكان التصوير مثل رقصة بين الكاميرا والممثل طوال الوقت.
3- اللعبة.. ليست كل الألعاب مبهجة
للسينما الرومانية سحر لا يمكن إنكاره، فهي تتميز بخليط من الواقعية الموضوعة في إطار من الجمال السينمائي الفاتن.
في 16 دقيقة تعرفنا أندريا فالين في فيلمها الأول كمخرجة والثاني ككاتبة سيناريو على عالم أطفال الشوارع، يمثلهم داني، في الثانية عشر من عمره، شهم وشجاع بطريقته الخاصة، يحبس أخته ليحميها من الضياع، يبيع زجاجات المياه المعدنية المغشوشة ليدفع إيجار منزلهم، وعندما تضطره الأمور يخاطر حتى بحياته لحماية عائلته الصغيرة البائسة.
قام بدور البطولة الطفلان بوندي جابور وسيبساتيان بينلتي اللذان حضرات مع المخرجة أندريا فالين ندوة مناقشة الفيلم بعد عرضه، وتحدثت عن تجربتها في إجراء تغييرات في السيناريو ليصبح أقل تكلفة وأسهل في الصناعة، بوعي حقيقي بقواعد السينما المستقلة محدودة الميزانية والتي رغم ذلك تحرص على تقديم أعمال على قدر عالي من الجودة، ففيلم اللعبة على الرغم من إنه ربع ساعة فقط، فهو يحمل كل جماليات الموجة الرومانية الجديدة.
4- قبل أن نشفى.. وهل من الحب شفاء؟
قبل أن نشفى فيلم لبناني إخراج وسيناريو وإنتاج نديم حبيكة، تدور أحداثه في لوكيشن واحد، وهو شقة ريا حبيبة سليم، الذي يتهرب من اسئلتها بالدخول إلى الحمام فيعلق بالداخل، فتكون تلك فرصتها لتحدثه عن مخاوفها وخذلانها منه وخيبات آملها بسبب علاقتهما.
حوار فيلم قبل أن نشفى تميز بالواقعية الشديدة، وكما يحدث في الحقيقة فالضحكات تمتزج بالدموع، فلا يعرف المشاهد كيف يتعامل مع كل هذا الأرتباك على الشاشة والذي قد يلاقيه في حياته بسهولة، فبعيدًا عن فكرة الحبس في الحمام فنحن كلنا محبوسون بشكل أو بآخر في علاقات لا نعرف كيفية الخلاص منها، أو عمل نرغب في الهرب من براثنه لولا لقمة العيش ومسئوليات تكبلنا فلا نستطيع منها فكاك.
تناول الفيلم كل ذلك ببساطة شديدة في الحوار والتصوير وحركة الكاميرا التي أشعرتنا طوال الوقت بالعزلة والخوف التي تعيش بهما البطلة على الرغم من كون حبيبها لا يبعد عنها سوى بمتر واحد.
5- زقزقة.. خطوط واهية ترسم تفاصيل الحياة
زقزقة فيلم رسوم متحركة روسي من 11 دقيقة بطله عصفور مغرد، هو صديق لفتاة يتعرف عليها صغيرة، لا نرى منها سوى قدميها على حبل هو خيط حياتها المتصل من المهد للحلد، يرافقها العصفور على مدار سنوات حياتها، يرقصان فرحًا أحيانًا، تكبلهما الهزيمة أحيانً أخرى كما يحدث في الحياة العادية.
قصة طويلة عن الحب والحرب والهزيمة واستمرار الحياة رغم منغصاتها تم تقديمها عبر رسوم متحركة مبهرة في بساطتها وجمال ألوانها، فجاء الفيلم ممتعا وزخما بالأفكار.
من بين 22 فيلمًا اخترت هذه الأفلام الخمسة التي تميزت بكل من جودة الصنعة، بالإضافة إلى لكونها ممتعة ومسلية.