أسماء شكري
شاب بسيط يعشق الموسيقى منذ صغره، ينصت إليها بشغف وحب ويعيش معها في عالم آخر أجمل من الواقع، حلُم بأن تصبح له ألحانه وموسيقاه الخاصة في يوم من الأيام، اجتهد كثيرًا وفشل أكثر من مرة ولكن الشعور باليأس لم يتسرب إلى نفسه، حتى أضحى حالة فريدة في عالم الغناء.
حميد الشاعري أو “الكابو” كما أطلق عليه أصدقاؤه وجمهوره، هوالسبب الرئيسي في اكتشاف أجيال من المطربين منذ منتصف الثمانينيات وحتى الآن، وفي عامه الـ 57 الذي يكمله اليوم 29 من نوفمبر، نتذكر دخول حميد الشاعري عالم الفن مبكرًا وهو صبي صغير في ليبيا؛ ثم استكمله في الإسكندرية ومنها إلى القاهرة؛ حيث وُلد لأب ليبي وأم مصرية.
أورج وإكسيليفون
أحسّت أمه بحبه للموسيقى فأهدته أورج وإكسيليفون لينمي موهبته، وعمل في عدة فرق ليبية غنائية قبل أن ينتقل إلى القاهرة بعد سنوات ويُقدم عددًا من الألبومات كان أولها بعنوان “عيونها” عام 1983، ويقوم بتوزيع العديد من الأغاني لأغلب مطربي الثمانينيات مثل محمد منير وأحمد منيب وعلاء عبد الخالق وحنان.
عنوان النجاح
في سنوات قليلة لا تتعدى الخمس، أصبح اسم حميد الشاعري عنوان لنجاح أي أغنية أو “شريط كاسيت”، فبمجرد وجود اسم حميد يتهافت الجمهور على شراء “الشريط” حتى لو لم يكن هو المطرب، لدرجة أنه أحدث تغييرًا في سوق الكاسيت؛ فقد كان المعتاد أن تُطرح نسخ الألبوم في السوق وينتظر المنتج بيعها حتى يحقق الربح ويسترد نقوده، ولكن وجود اسم حميد ونجاحه وقتها قلب الموازين وأصبحت المحلات تدفع ثمن النسخ أولًا قبل بيعها.
الموزع النجم
قبل ظهور حميد الشاعري، لم يكن أغلب الجمهور يُقدّر دور الموزع الموسيقي وربما لا يلتفت إلى أهميته في نجاح أي أغنية، فقد كان الإهتمام الأكبر مُنصب على المطرب أولًا ثم الملحن ، ولكن بعد سطوع نجم “الشاعري” وشهرته ونجاحه الكبير خاصة في منتصف الثمانينيات، عرف الناس أهمية وجود موزع للأغاني.
استطاع حميد أن يبتكر شكلًا جديدًا ومختلفًا تمامًا للتوزيع الموسيقي، وتفوقت موهبته في ذلك على موهبته كمطرب وملحن، فقد مزج بين الموسيقى الشرقية والغربية، وخلق وجودًا أساسيًا لفكرة الإيقاع والتصفيق، واستخدم السلم الخماسي بشكل عصري وجديد، وأيضًا آلات كالأورج والساكسفون.
فمثلًا استخدم في توزيعه لأغنية “عودوني” للفنان عمرو دياب، أغلب الأشكال الموسيقية، من مقسوم تركي في صولو القانون، والرتم الخليجي في الدفوف، واستخدم الكمنجات لتقدم شكل الموسيقى الكلاسيكية.
صناعة النجوم
لا نبالغ حينما نقول، إن حميد الشاعري ساهم في اكتشاف أغلب مطربي فترة الثمانينيات والتسعينيات الذين أصبح أغلبهم الآن نجومًا، أشهرهم المطرب حكيم الذي اكتشف حميد صوته وانبهر به حتى قدم معه أول ألبوماته “نظرة” عام 1992، ونجح الألبوم نجاحًا كبيرًا بفضل توزيع حميد للأغاني.
كذلك المطرب هشام عباس الذي كان يعمل مهندس صوت فقط، وأثناء تسجيل حميد لإحدى الأغاني في الإستوديو سمع صوت هشام وأعجب به فقرر أن يظهر هشام في فيديو كليب “جلجلي” بدون غناء كتجربة مبدئية، ثم أهداه بعدها أغنية “الله يسلم حالك” ليدخل هشام عباس منها إلى عالم الغناء وتنجح الأغنية أيضًا نجاحًا عظيمًا، جعل الناس يتساءلون: من صاحب هذا الصوت؟
نفس الشىء تكرر مع المطرب علي حميدة الذي قدمه حميد لأول مرة في “لولاكي”، الأغنية التي قلبت سوق الكاسيت وقت طرحها وحققت انتشارًا واسعًا في مصر كلها، والسبب الأكبر كالعادة هو توزيع حميد.
وغير هؤلاء أسماء أخرى كثيرة مثل فارس وأميرة وسيمون وفرقة “جيليانا”، كما ساهم حميد في بروز نجم مطربين كانوا في بداياتهم، فحققوا شهرة ونجاح وشعبية أكثر بعد تعاونهم معه سواءً بتوزيعه لأغانيهم أو تلحينه، أشهرهم: منى عبد الغني، حنان، محمد فؤاد، مصطفى قمر، هشام عباس، خالد عجاج، أنوشكا، إيهاب توفيق، محمد محيي، وعلى رأسهم عمرو دياب، الذي زاد نجمه وتألق أكثر بعد تعاونه مع حميد وتوزيعه المميز لألبوماته، بدءًا من “ميال” عام 1988، مرورًا بألبومات “شوقنا”، “متخافيش”، “أيامنا”، ثم “ويلوموني”، حتى ألبوم “نور العين”، وهي الأغنية التي مزج “الشاعري” في توزيعها ما بين الدفوف والجيتار الإسباني، ونال “دياب” عنها جائزة الميوزيك أوورد لأول مرة.
سنوات طويلة من النجاح والتجديد وتطوير التوزيع الموسيقي؛ قضاها حميد الشاعري في بحث دائم عن كل ما هو مختلف وغير تقليدي، حتى صنع لنفسه أسلوبًا مميزًا وما أُطلق عليه “ثورة” في الموسيقى سواءً التلحين أو التوزيع، وستظل الأجيال المقبلة تدين له بالفضل في قلب الموازين وكسر القوالب الثابتة في عالم الغناء.