أصبح معظم أصحاب دور النشر الخاصة يتهافتون على الشباب ذوى الفولورز على مواقع التواصل الاجتماعى، مما جعل الشباب يتفنون فى كيفية جذب المتابعين إليهم ولو سرقوا إبداعات الآخرين، لأنهم يعلمون أن الناشر أصبح هو من يهرول إليهم، وصار عمل الناشر هو البحث عن عدد فولورز كاتبه الجديد بدلا من البحث فى قيمة كتابه، مما أدى إلى نهضة ثقافية هشة، وقراء تشغلهم جمال ضحكة الكاتب عن كتابه، وتسريحة شعر الشاعر عن قصيدته.
على الجانب الآخر تصرخ هذه الدور غيظا وكمدا من مهاجمة الناس لها، رغم أنها تنشر أيضا كثيرا من الكتب الهامة ولكن لا يقترب منها من يهاجمون الأدب الردىء، فأصبح لزاما على الناشر أن يرضخ ولو نسبيا لمعادلة السوق فينشر الردىء حتى يستطيع أن يغطى تكاليف الجيد.
ولم تسلم من هذا الداء الثقافى دور النشر الكبرى، ادخل أى مكتبة كبرى وانظر إلى الأغلفة المتصدرة فى واجهاتها، ستجد الاهتمام بالكتب الأكثر مبيعا مهما اجتمع الجميع على تفاهتها، وستجد الكتب الفكرية الحقيقية ملقاة تحت الأقدام لأنها «ما بتبيعش»، دون أن ينتبه هؤلاء إلى أن هذه الكتب لا تباع لأنهم لم يهتموا بها أصلا، ولم يعرضوها كما يعرضون التافه من الكتب.
معضلة حقيقية، هل الذنب على الناشر الصغير الذى ينشر لكتَّاب الفولورز أملا فى الربح ليستطيع النشر للكاتب المبدع، أم الذنب على القارئ الذى رفع الموهومين والأفّاقين والمّدعين إلى مصافّ آلهة الكتابة، أم الذنب على دور النشر الكبرى التى لا تدعم الكتاب الجيد، وتصر على الانجراف فى سكة «الفلوس أولا وأخيرا»، أم على الدولة التى لا تتبنى آلافا من الموهوبين والمبدعين الراغبين فى نشر إبداعاتهم دون واسطة ولا ترحمهم من عناء اللفّ على اللى يسوى واللى ما يسواش؟
نقلًا عن جريدة “التحرير”