لا يحتاج أي شخص لاختراق هاتفك أو الاستيلاء على صفحتك الشخصية أو حتى الرقم السري لبطاقتك البنكية أكثر من 70 يورو، وذكاء متوسط، وقليل من الصبر، هذا ما كشفت عنه تجربة صحفية مثيرة خاضها الصحفي الهولندي “موريتس مارتين” فقد تعرّف “مارتين” بالصدفة على هاكر فاصطحبه إلى إحدى المقاهي الواقعة في مركز المدينة بالعاصمة أمستردام، فتمكن الهاكر في غضون 20 دقيقة فقط من معرفة محل ميلاد عدد كبير من زبائن المقهى وأسماء الجامعات والمدارس التي تخرجوا منها بالإضافة إلى آخر 5 أشياء بحثوا عنها باستخدام محرك البحث الشهير جوجل.
كان الهاكر، ويُدْعى “واتر سلوتبوم”، 34 سنة، يحمل جهازًا أسود اللون في حقيبة ظهر صغيرة، وكان حجم الجهاز لا يتجاوز حجم علبة سجائر صغيرة، وكان مزودًا بهوائي صغير، وفي ظهيرة يوم مشمس، بينما كان عدد كبير من الزبائن يجلس بالمقهى، ويتجاذب بعضهم أطراف الحديث، كان زبائن آخرون منشغلين بأجهزة الكمبيوتر المحمولة وهواتفهم الذكية. وأخرج الهاكر جهاز كمبيوتر محمول صغير الحجم من حقيبته، وقام بتوصيل الجهاز الأسود الصغير به بعد أن وضع فوقه قائمة الطعام والمشروبات الخاصة بالمقهى لكي يخفيه، وسرعان ما أحضرت النادلة القهوة وأعطت الصحفي ورقة صغيرة مدون بها كلمة المرور الخاصة بشبكة واي فاي اللاسلكية الخاصة بالمقهى، وهمّ الهاكر بفتح عدد من البرامج وبسرعة أصبحت شاشة جهاز الكمبيوتر ممتلئة بالمربعات الحوارية والنصية التي غلب عليها اللون الأخضر، وبمرور الوقت أبلغ الهاكر الصحفي “مارتين” أنه أصبح متصلاً بغالبية الأجهزة الذكية الخاصة بزبائن المقهى. كانت النصوص التي ظهرت على الشاشة تحتوي على عبارات مثل “جهاز آيفون كاثرين”، “ماك بوك سايمون”، واستمر الهوائي في التقاط الإشارات التي ترسل عبر أجهزة الكمبيوتر والهواتف والأجهزة اللوحية “التابلت” المحيطة إلى العديد من مواقع الويب.
وازدحمت شاشة كمبيوتر الهاكر بالمربعات الحوارية والنصية وكانت البيانات توضح أيضًا أسماء شبكات واي فاي الأخرى التي اتصل بها هؤلاء المستخدمون مؤخرًا، بعض أسماء الشبكات كانت تتكون من أرقام وحروف عشوائية، مما يصعِّب مهمة الهاكر في تعقب موقعها، ولكن في أغلب الحالات ظهرت أسماء شبكات واي فاي مفتوحة تخص مواقع ومتاجر معروفة في أمستردام وخارجها، وبالتالي استطاع الهاكر تكوين فكرة عن الأحياء والمدن التي جاء عدد من الزبائن منها والمناطق التي ينتمون لها، ويقول “مارتين”: “إحدى الزبائن كانت تدعى “كاثرين”، أخبرني الهاكر بأنها تناولت وجبة بمطعم ماكدونالدز مؤخرًا، وعرفت منه أن زبونًا آخر يدعى “جوريس”؛ قضى إجازته في أسبانيا (فقد أظهر اختراق هاتفه أسماء عدة شبكات واي فاي اتصل بها مؤخرًا وهي ذات أسماء أسبانية). زبون ثالث قال لي إن اسمه “تيم” ويعمل في تنظيم سباقات السيارات، وسبق أن اتصل جهازه المحمول بشبكة واي فاي مفتوحة باسم أحد مراكز السباقات المحلية الشهيرة. أما “مارتينا” فعلمنا أن جهازها اتصل مؤخرًا بشبكة واي فاي بمطار هيثرو البريطاني، وشبكة واي فاي تابعة للخطوط الجوية الأمريكية “ساوث إيست”، وتقيم أثناء زيارتها لهولندا بفندق “وايت تيوليب” كما زارت مقهى آخر في أمستردام يعرف باسم مقهى “بول دوج”.
نرشح لك: 5 طرق تجذب القارئ لتفعيل الاشتراك في الصحف الإلكترونية
وفي مرحلة أخرى انتحل الهاكر اسم شبكة واي فاي التابعة للمقهى، وقام بتزويد الزبائن باتصال مفتوح بالإنترنت عبر جهازه، وبالتالي عمل على إعادة توجيه الأنشطة التي يمارسونها على أجهزتهم لكي يطلع على ما يفعلون وما يتصفحون. إن غالبية الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمول والأجهزة اللوحية تبحث تلقائيًا عن شبكات واي فاي، ومن ثم تقوم بالاتصال بها. ويستطيع الهاكر بواسطة جهازة الأسود والهوائي أن يسجل عمليات بحث الزبائن فالاسم الذي اختاره لشبكة واي فاي الوهمية خاصته جعلها تبدو للزبائن كشبكة يمكن الوثوق بها، فقد استخدم فيها اسم أحد المنتزهات المجاورة، وفجأة رأى الصحفي “مارتين” اسم شبكته المنزلية يظهر على قائمة هاتفه الآيفون واسم شبكة واي فاي بالجريدة التي يعمل بها، وكذلك أسماء شبكات واي فاي بعدد من المقاهي والفنادق التي يزورها بين الحين والحين، واسم شبكة محطة القطارات وشبكات أماكن عامة أخرى يرتادها. ولاحظ أن هاتفه قد اتصل تلقائيا بواحدة من هذه الشبكات التي كان مصدرها جهاز الهاكر.
وتتلخص مهارة الهاكر في بث شبكة وهمية ذات اسم يحمل المستخدمين على الاعتقاد بأنهم متصلين بشبكة الانترنت الخاصة بالمكان العام الذي يزورونه، على سبيل المثال إذا كان اسم الشبكة يتكون من حروف وأرقام عشوائية مثل(Fritzbox xyz123)، يستطيع الهاكر أن يستخدم اسم ستاربكس على سبيل المثال، فالناس على استعداد للاتصال بهذه الشبكات، ظنا منهم بأنها آمنة، ويقول الهاكر المزيد والمزيد من الاشخاص يلجأون بإرادتهم أو رغما عنهم إلى الشبكات الوهمية وكأنها ذات سحر خاص لا يقاوم، ويتباهى بأنه استطاع في غضون أقل من ساعة واحدة السيطرة على أكثر من 20 هاتفا ذكيا.
لكن الهاكر الذي كان الصحفي الهولندي برفقته لم يكن إلا هاويًا مغامرًا، أما إذا قاد الحظ العاثر هؤلاء الزبائن فأوقعهم في قبضة هاكر شرير أو أحد محترفي الجريمة الإلكترونية، لكان بمقدوره أن يدمر حياة المتصلين بالإنترنت عبر جهازه الأسود بشكل أو بآخر، فهو يستطيع استرداد كلمات المرور الخاصة بهم، أو انتحال شخصياتهم وإرسال البريد الإلكتروني باسمهم ومن حساباتهم وعناوين بريدهم الشخصي، كما يمكنه العبث بحساباتهم البنكية.
وأخيرًا.. سمح الصحفي “مارتين” للهاكر بأن يخترق هاتفه الذكي، لكي يستعرض قدراته وإلى أي مدى يمكنه أن يذهب وعرف منه أنه يستطيع اختراق أي جهاز آخر متصل بنفس الشبكة.
15 تصريحًا لـ علاء الشربيني.. أبرزها عن برنامجه الجديد “أحلى أكلة”
شاهد: تظاهرات السترات الصفراء.. ما هي وكيف بدأت؟