عملي في الصحافة جعلني اركز في التفاصيل.. كل التفاصيل.. اصبحت مثل كاميرا تسير في الشوارع وتوثق تصرفات و وجوه البشر، كل ما يحدث حولي اوثقه في عقلي ولا اراه مثلما يراه باقي الناس.. مهنتي تفرض نفسها دائماً في رؤيتي للأمور من حولي.
في الفترة الاخيرة اصبحت اشعر بغربة شديدة.. تصرفات الناس في الشارع المصري تغيرت.. اصبحت اكثر دموية.. باتوا يميلون للعنف اكثر.. واشياء بسيطة تغضبهم وتجعلهم مثل قنبلة مستعدة للانفجار في اي وقت.. حتى الشتائم التي تتردد من حولنا في الشوارع اصبحت اكثر فجاجة ولم تعد مجرد كلمات تخرج ساعة الغضب بل اصبحت عادة وروتين يمارسه الناس في كل وقت وفي كل الحالات.
هناك الآلاف من الامثلة لكني سأختار منها واحداً فقط.. منذ ايام اظهر فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من المصريين يقتلون مواطن في وضح النهار أمام شقته بالإسكندرية أمام أعين والدته التي استغاثت بالجميع ولكن لم يأتٍ لها أحد، وسط صمت من جميع المارة في الشارع في منظر غريب . الفيديو غريب ويوضح إلى اي درجة من العنف والدموية وصل المجتمع المصري.
الاغرب ان القائمين على هذه البلد لا يتعاملون مع هذا الامر بما يستحقه من اهتمام.. لا يوجد مركز بحثي واحد يعمل على تقارير لما يحدث في الشارع المصري من تصرفات غريبة لم تكن موجودة قبل ذلك.. نحتاج لمجهود كبير مثل الذي قام به الدكتور جلال امين في كتابه القيم ماذا حدث للمصريين.. نريد ان نعرف ماذا حدث للمصريين في السنوات الاخيرة.. لماذا اصبح العنف امر عادي في الشارع المصري.
عودة الشارع المصري لحالة السلام التي كانت تميز ناسه قبل ثورة يناير تحتاج مجهود جهات عدة.. حكومة مؤهلة.. علماء اجتماع يعملون على رصد وتحليل الامر.. وبصفتي اعلامي مصري اثق ان مجال الاعلام عليه دور مهم في هذه القضية، بل اجد دوره من اهم الادوار واكثرها تأثيراً.. خصوصا لو قرر الاعلام أن ينشر قيم تسامح من جديد بدلا من كل هذا الصراخ الذي لا يتوقف.
هناك ازمات لا يمكن ابداً استخدام جملة “يبقى الحال على ما هو عليه” معها، لأن هذه الجملة تحديداً ستجعل الامور من سيء لأسوأ.. يجب ان تكون هناك خطة حقيقية لانقاذ هذا المجتمع من كل الفوضى التي سيطرت على كل شئ في هذا البلد.
.