“الضغط يولد الانفجار”.
“لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه”.
حقائق علمية معلومة لدى الجميع تعلمناها ودرسناه في مناهجنا، وكل التجارب العلمية والعملية أثببت صحتها منذ القِدم. وهذه الحقائق لا تتعلق فزيائياً بالمادة فقط، وإنما أيضاً في النفوس البشرية والسلوكيات الإنسانية، فكلما غاب العدل وزادت التدخلات والقيود، كلما خرج الإنسان عن سكونه وهدوءه، لينفجر غضباً في وجه من يقيده ويُضيق عليه الخناق، لأن الإنسان خلقه ربه حراً ولم يجعل عليه وصياً ولم يستعبده من قِبل بشر مثله.
هكذا هي الطبيعة البشرية التى فطرنا الله عليها، وهكذا نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور والقانون على حرية الرأي والتعبير، فحينما يُنتهك هذا الحق، فإن في ذلك مؤشر على الانتفاضة للحفاظ على هذا الحق الأصيل.
مؤخراً، ووفقاً لما صرحت به الإعلامية، ريم ماجد، وتداولته كافة المواقع الإخبارية، تقرر وقف عرض برنامجها الجديد “جمع مؤنث سالم” على شاشة قناة أون تي في، بعد عرض حلقتين منه فقط، وذلك بعد ضغوط من (جهات) على إدارة القناة لوقف عرضه، علماً بإستمرار عرضه على شاشة دوتشه فيله الألمانية المشاركة في إنتاجه. ويعد هذا القرار طعنة جديدة أصابت الإعلام وحرية التعبير في مقتل، حتى البيان الصادر من إدارة قناة أون تي في، والذي في رأيي صدر لحفظ ماء الوجه، أو كحلقة من سلسلة الضغوط الممارسة عليها، بأن حقيقة الأمر هو (التأجيل) وليس الإلغاء لحين الإنتهاء من إعادة هيكلة الخريطة الجديدة للقناة، فهل اكتشفت إدارة القناة، فجأةً، بأن البرنامج لا يحقق مشاهدة عالية مما يستلزم أن يُدرج في خطة إعادة الهيكلة؟؟!! هل قناة كبيرة في حجم (أون تي في) قَيّمت نسبة مشاهدة البرنامج بعد حلقتين فقط؟؟!! وهل أيضاً قناة كبيرة وفي حجمها اكتشفت فجأة أن ميعاد عرضه لا يخدم البرنامج أو القناة؟؟!! فكيف تُفسر (أون تي في) بيان قناة (دوتشه فيله) الذي يدين وقف عرض البرنامج بسبب تدخلات السلطة المصرية؟؟!!
تضارب تصريحات ريم مع بيان إدارة القناة يدعو للكثير من التساؤل ويثير العديد من الشكوك والظنون، ولكن في إعتقادي ووفقاً لأسباب كثيرة فأنا أميل أكثر إلى ما صدر من تصريحات على لسان ريم، ومؤكد أن هذا ليس من فراغ، فمنذ أيام قليلة ماضية تم مصادرة عدد جريدة “الوطن” بسبب عنوان ( ٧ أقوى من السيسي) ومطالبة ((أجهزة سيادية)) بتغيير هذا العنوان، بالإضافة لحذف مقال الأستاذ، علاء الغطريفى، من العدد، وقد كان، وصدر العدد متأخراً بعد التعديلات الموجهة، وبعد فرم قرابة ٤٧ ألف نسخة قبل التعديل، وفقاً لما أُشيع، فكان إستسلام إدارة الجريدة سُبة على جبين حرية الصحافة، وطعنة لحرية الرأي والتعبير من (الجهات سيادية) التي تدخلت!!!
فوفقاً للعقل والمنطق وتحليلي المتواضع، هناك تصورات ثلاثة:
الأول: أنه لم يوجد تدخل من أي جهة سيادية أو أمنية للضغط لوقف البرنامج، وهنا على الجهة المعنية أن تُعلن عن ذلك صراحةً، وأن تُبرئ ساحتها.
الثاني: أن يكون بالفعل حدثت ضغوط من أي جهات سيادية، لوقف البرنامج بغرض إلهاء الشعب ووسائل الإعلام عن قضايا ومشاكل مهمة تمُس المواطن البسيط.
الثالث: أن تكون الأزمة مفتعلة، ليصل الأمر إلى رئاسة الجمهورية، ونسمع قراراً من رئيس الجمهورية صراحة برفض الرئاسة لمثل هذا الأمر وضرورة عودة برنامج ريم مرة آخرى، ويكون بذلك إنحازت مؤسسة الرئاسة لحرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام وعدم القبول لسياسة تكميم الأفواه، ولنا في موقف (السيسي) من عودة الإعلامية ،عايدة سعودي، بإذاعة “راديو هيتس” ، حينما تم وقفها منذ شهور بعد التحدث عن حكم براءة مبارك في مقدمة برنامجها، آيه!! وبهذا تكون هذه (الجهات) كما تعتقد بالبلدي (خَدِمت) على النظام، وفي هذا التصور تحديداً-إن صدق تصوري- وأمرت الرئاسة بضرورة عودة برنامج ريم، هل ستُصر إدارة أون تي في على ما صدر في بيانها من إدارج برنامجها ضمن البرامج المدرجة في خطة إعادة هيكلة خريطة البرامج في القناة؟ أم أنها ستقرر، فوراً، إعادة البرنامج مرة آخرى؟؟!!
تبقى جزئية مهمة، وهي أن ما يثير شكوك التدخلات من جهات مختلفة، سيادية كانت أم أمنية، في الإعلام بصفة عامة، أصبح يدخل مرحلة اليقين، فكيف نفسر، على سبيل المثال لا الحصر، عودة برنامج يبث مكالمات هاتفية شخصية على شاشة التلفاز جهراً وصراحة، علماً بأن التنصت على المكالمات الهاتفية للأشخاص والتسجيل لهم دون إذن مسبق من النيابة العامة يُعد جرماً منصوص عليه بالقانون، بل ويحرمه الدستور؟؟!! هل يُعقل أن يكون هذا الإعلامي هو من تنصت على هذه المكالمات وسجلها؟ أم أنها سُجلت من قِبل جهات أو مؤسسات بعينها وسُلمت إليه كنوعٍ من تصفية الحسابات السياسية ووسيلة من وسائل الضغط عليهم؟؟!! أيهما أجدر بالوقف، البرامج الإجتماعية التي تُبرز شخصيات تُعد نموذجاً مشرفاً يُقدم للمشاهد ليتعلم من تجاربه، أم البرامج التي في كل دقيقة من عمرها على الهواء تبث مواداً تُعد قانوناً جريمة يجب التصدي لها؟؟!! أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات مقنعة.
ويبقى أخيراً التساؤل الأهم، والذي في رأيي هو الفيصل: أين ميثاق الشرف الإعلامي الذي نُص عليه صراحةً في وثيقة الثالث من يوليو عقب ثورة ٣٠ يونيو؟؟ لماذا لم يظهر إلى النور ليكون هو الدستور والمنهج الذي نُقيّم من خلاله الأداء الإعلامي مهنياً وأخلاقياً؟؟ وما هو السبب في عدم صدوره إلى الآن؟؟!!
فإذا عُرِف السبب بَطُل العجب!!!
يمكنكم متابعة الكاتب على تويتر من هنا