لايشاهد المارة أحد المراسلين أمام الكاميرا في أي مكان إلا ويتبادر إلى أذهان بعضهم ” نادر عدوي السرياقوسي ” المراسل الذي جسد شخصيته الفنان محمد هنيدي في فيلم ” جاءنا البيان التالي ” ، هذا الفيلم أنتج عام 2001 في وقت لم يعرف المصريون فيه إلا اعلام الدولة ، وكان الإعلام الخاص طفلا وليدا يتحسس اطلالته الأولى ، ومع أن الفيلم تعرض بشيء من التفصيل لمهنة مراسل التليفزيون ، إلا أنه أصّل صوراً ذهنية غير صحيحة عن مراسلي التليفزيون .
أكبر هذه الصور خطأً أن الفيلم اعتبر مهنة المراسل جسراً يجب عبوره للوصول إلى مهنة المذيع أو مقدم البرامج ، مهنة أشبه ” بتمهيدي الماجستير ” يكون التطور الطبيعي لها الجلوس تحت أضواء الاستديو ، وهذه الفكرة مازالت تسيطر على جمع كبير من المراسلين المصريين ، وجعلت من المهنة بالنسبة للقائمين على إدارة المحتوى الإعلامي شيئاً يمكن وصفه بـ ” الكمالة ” التي تضاف إلى ” الشو ” التليفزيوني ، حتى بعد أن تعاظم دور المراسلين مع ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث حتى الآن .
وحقيقة فلقد نضج المراسلون المصريون بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية ، وكان للفترة الإنتقالية التي مرت بها مصر دور كبير في هذا النضج ، فليش هناك أفضل من ” الشارع ” لاكتساب الخبرة المهنية ، وتعلم المزيد كل يوم ، خاصة أن المؤسسات الإعلامية المصرية لاتهتم على الإطلاق بتدريب المراسلين قيل الدفع بهم الى الميدان ، وما مر به مراسلو مصر من تغطيات حية هو ما أكسبهم المهارة والخبرة واستطاعوا عبور كل الأحداث اعتماداً على أنفسهم وعلى غريزة البقاء ! .
مراسل التليفزيون هو شخص مطلوب دائما ، يسعى إليه الناس لايصال رسائلهم وللظهور أمام الكاميرا ، ويبحثون عنه أيضا إذا ما أرادوا أن يمنعوا ظهور الحقائق أو تزييفها ، والمراسل هو شخص يكتسب عددا من الأعداء كل يوم ونفس العدد من الأصدقاء ، المراسل شخص يحيط به الخطر منذ أن يطأ الشارع ، وأقل أخطار مهنته الايذاء اللفظي والبدني ، علاوة على ضغوط عمله الأخرى كاحتمالية أن تستغني عنه قناته في أي وقت ، ولمن لا يعلم فمعظم المراسلين يعملون دون أي عقود عمل أو تأمين ، أو يعملون يعقود مؤقتة لاقيمة لها ، وقليل منهم لايتجاوزون 10 % ” إن كان تقديري متفائلاً ” يحظون بحقوقهم كاملة .
هذه المهنة المظلومة أدبياً ومادياً لاتحظى أيضا بالإهتمام المطلوب من قبل صناع القرار الإعلامي في مصر ، ورغم كل العقبات والتحديات يواصل المراسل عمله دون أن تثنيه كل الاعتبارات السابقة ، ليبقى المراسل هو الشاهد المشترك على كل الأحداث ، وهو الشخص الذي اقترب من كل شيء وكل الأشخاص واقترب أيضا من الموت ، هذا المراسل لديه الكثير من الروايات سيتسع لها المجال في مقالات قادمة .