مازن فوزي
الفلسفة العبثية هي الأساس الذي بنى عليه الأخوين جويل وإيثان كوين أو “الكوينز” مسيرتهم الفنية لأكثر من ثلاثة عقود.
أحداث فوضوية، شخصيات ساذجة، ونهايات صادمة، هي سمات تتكرر في كل أفلام “الكوينز” تقريبا، فالمشاهد المتمرس والمتابع لمسيرتهم الفنية يمكنه توقع مسار أحداث أفلامهم ومع ذلك يصعق عندما تأتى النهاية. “أنشودة باستر سكراجز” هو أجدد أفلام “الكوينز” وهو بكل تأكيد يحتوي على السمات المميزة لهم ومع ذلك فهو تجربة مختلفة عن أفلامهم السابقة، فبجانب عرضه على نيتفلكس، وأنه أول فيلم يقومون بتصويره بالديجتال، لكن اختلافه الأهم يكمن في طبيعة تكوينه، فهو مكون من عدة أفلام قصيرة، غير مرتبطة الأحداث ومختلفة في الطول الزمني لكنها تقع في نفس النطاق الزماني والمكاني وهو الغرب الأمريكي.
نرشح لك: “سعيد مثل لازارو”.. نموذج معاصر للواقعية السحرية
وفيما يلي نحلل كل قصة حسب ترتيب ظهورها، بشيء من التفصيل ونستنتج كيف يمكن الربط بين جميع القصص:
“أنشودة باستر سكراجز”:
هي القصة التي يحمل الفيلم اسمها وتدور عن “باستر سكراجز” راعى بقر يطوف في البلاد ويطلق النار على من كل من يقف في طريقه وهو يغنى ويتحدث مع المشاهدين!
هي أكثر القصص بساطة وكوميدية، وربما بسبب ذلك كانت الاختيار الأمثل لافتتاح الفيلم بها.
“بالقرب من ألجودنز”:
راعى بقر آخر يريد الاستيلاء على بنك وبعد سلسة من التتابعات العبثية يحكم عليه بالإعدام، لكنه ينجو فقط ليجد نفسه وقد حكم عليه بالإعدام مرة آخرى!
القصة بلا شك مسلية لكنها لا تترك مساحة للتعايش مع الشخصية والارتباط بها فنحن حتى لا نعرف اسمه بعكس القصة الأولى.
“تذكرة الطعام”:
رجل مسن يستغل موهبة شاب بلا أطراف في الإلقاء لعمل مسرحية متجولة ليجلب له المال وينتهي به الأمر باستبداله بدجاجة بسبب فشل المسرحية مع الوقت!
التتابع العبثي للعروض من حالة النجاح إلى الفشل مع النهاية الساخرة تجعل هذه القصة أقرب للكوميديا السوداء، لكن ما يميز هذه القصة فعلا هي العلاقة بين الرجلين الذين لا يتحدثان تقريبا، هذه العلاقة لم تجعل نهاية القصة ساخرة فقط بل ومأسوية أيضاً.
“كل ذهب الوادي”:
منقب ذهب يصل إلى وادي مهجور، يحفر عدة أيام بحثاً عن الذهب ليفاجأ بأنه ليس الوحيد الذى يبحث عنه.
بصرياً هذه أكثر القصص جمالا، بسبب امتلاءها بالمناظر الطبيعية الخلابة.
وعلى الرغم من انعدام الحوار تقريباً، “فالكوينز” عوضوا ذلك بتوظيف أصوات الطبيعة حول الرجل لصنع شريط صوت ثرى.
وما زاد من اختلاف القصة، إنها الوحيدة ذات النهاية المتفائلة ظاهرياً، وربما سبب ذلك إنها الوحيدة غير الأصلية في المجموعة فهي مقتبسة عن قصة قصيرة بنفس الاسم.
”الفتاة التي خافت”:
هذه القصة مشبعة تماماً من ناحية التعريف بالشخصيات والتعلق بهم وبمصائرهم، مشبعة لدرجة إنك تتمنى أن تبقى معهم فترة أطول على الرغم من إنها أطول القصص زمنياً.
فنحن نتعرف على بطلة الحكاية “أليس لونجابو” الفتاة الساذجة المطيعة التي تسير وفق خط مرسوم لها مسبقاً حتى عندما تسنح لها فرصة تغييره.
”رفات الموتى”:
ربما تكون هذه أفضل القصص وأكثرهم غموضاً وذلك لأنها تعتمد على أكثر من مستوى في التلقي.
عربة تنقل خمسة أفراد، رجل إنجليزي وآخر آيرلندي يجلسان في طرف وفى الطرف الآخر هناك رجل فرنسي، وسيدة مسيحية متدينة، وصائد حيوانات، يبدأ كل من هؤلاء الثلاثة في إلقاء ملخص تجاربهم الحياتية وآرائهم عن البشرية ليفاجئوا بالإنجليزي وهو يخبرهم إنه وصديقه، صائدو جوائز مهمتهم القتل.
في المستوى الأول، نحن نفهم أن صائد الجوائز مهمته قتل هؤلاء الثلاثة الذين يصعقوا عندما معرفتهم ذلك ويدخلوا ذلك الفندق وهم يعلموا إنهم لن يخرجوا منه. لكن كعادة أفلام “الكوينز”، فليس كل شيء كما يبدو، فهناك دائماً مستوى آخر للتلقي.
وفى هذه القصة، نشعر من البداية أن هناك شيء مختلف، يبدو كل شيء خيالي أكثر من المعتاد فهذه القصة أكثر اعتماداً على المؤثرات البصرية من بقية المجموعة، كما نلحظ أن التحويل اللوني للإضاءة يتم بسرعة من الغروب إلى الليل بشكل يوضح أنه تمت معالجته وهذا بالطبع مقصود، ليوضح أن ما نراه ليس فعلا كما يبدو.
في النهاية، صائد الجوائز ما هو إلا حاصد أرواح ينقل هؤلاء الثلاثة الذين ماتوا بالفعل إلى مسكنهم الأخير، اختيار هذه القصة لتكون ختام الفيلم يوضح رؤية “الكوينز”، جميع القصص كانت تنتهي بموت أبطالها، فكرة القرار في مقابل المصير، هذه الفكرة هي الهم الشاغل ”للكوينز” في كل أفلامهم، فظاهرياً تقوم الشخصيات بأخذ قرارات ساذجة تودي بهم إلى التهلكة وبذلك فإن قراراتهم هي التي أودت بهم إلى هذه المصير لكن حقيقة الأمر، أنهم حتى وإن حاولوا تغيير مصائرهم مثلما حاولت “أليس”، أو نجحوا في الحصول على ما يريدون مثل منقب الذهب، فكل محاولاتهم هذه دائما ستؤول بهم إلى نفس المصير ألا وهو الموت.
هذه هي رؤية “الكوينز” للحياة، عبثية ولا معنى لها والموت هو نهايتها الحتمية.
نقدم لك| أشهر وجوه عام 2018