مليونا مستفيد من المدارس غير الرسمية.. و60% من تمويل الرابطة عبر الـ”يانصيب”.. وانتخاب إدارة الراوبط والمدارس “ديمقراطيا”
في الحلقة السابقة من التحقيق تعرفنا على نظام التعليم في الدنمارك، ونبذة عن التعليم غير الرسمي بأشكاله، وتطوره التاريخي، وفي هذه الحلقة نتابع ما بدأناه ونتجول في زيارات ميدانية بين الروابط التي تجمع المدارس غير الرسمية.
في الرابطة الدنماركية لتعليم الكبار (Danish Adult Education Association (DAEA، التقينا “ترين بينديكس كنودسن”، الأمين العام للرابطة، والتي أوضحت أن الرابطة أنشئت عام 1941، وهي عبارة عن تجمع لروابط مدارس ومؤسسات التعليم غير الرسمية في الدنمارك، وعددهم 35 رابطة ومؤسسة، تتبنى قيم الديمقراطية والحرية والتنوع والتضامن، لافتة إلى أن نحو مليوني متدرب اشتركوا في الدورات التدربيبة لجميع المدارس غير الرسمية في الدنمارك، بغض النظر عن عدد مرات اشتراك المتدرب، وعن طول الدورة أو تخصصها.
وأوضحت أن الرابطة العامة لا تفرض على المدارس سياساتها، بل على العكس، تضع المدارس سياساتها، ثم ترفعها إلى الروابط المحلية الأصغر، ومنها إلى الرابطة العامة، التي تعمل على تحديث وتطوير التعليم غير الرسمي، وتوفر خدمات للمؤسسات العضوة فيها مثل الندوات، والحلقات النقاشية، والدورات التدربية، والتمويل، وتمثل مصالح أعضائها من خلال المناظرات والنقاشات المجتمعية العامة، وتحصل الرابطة العامة على تمويلها بنسبة 60% من الـ”يانصيب” Lottery، و22% من الدولة، و30% على هيئة مشروعات، والباقي من رسوم العضوية، والوكالة. لافتة إلى وجود روابط أكبر في هذا المجال، كالرابطتين الأوروبية EAEA، والدولية ICAE.
وتفرق “كنودسن” بين ثلاثة أنواع من التعليم، الأول الرسمي Formal وهي الذي تقدمه المدارس العامة التابعة للحكومة، والثاني هو غير الرسمي Non-Formal وهو الذي تقدمه المدارس الشعبية عبر مدرسين ومقررات ولكن بدون شهادات ولا امتحانات، والثالث هو اللارسمي Informal وهو الذي يتم عبر المحاكاة أو المسارح والممارسة العملية بلا معلمين.
وأشارت الأمين العام إلى الفيلسوف الدنماركي “جرونتفيج” N. F. S. Grundtvig، الذي ترجع إليه فكرة إنشاء المدارس الشعبية، والذي رأى أن ممارسة الديمقراطية تتطلب تعلمها أولا.
في رد على سؤال حول استخدام التكنولوجيا، قالت إن استخدام “التابلت” في التعليم بدأ في الدنمارك منذ خمس إلى عشر سنوات، ويدور الآن نقاش مجتمعي حول هذه المسألة، وإذا ما كان الورق مهما للتذكر، وضرورة تنويع أساليب التعلم.
المؤسسات أعضاء الرابطة العامة لتعليم الكبار
أما “راندي جينسين” Randi Jensen، رئيس الأمانة العامة لرابطة المدارس الشعبية The Association of Day Folk High School ، فقد أوضحت أن ثمة فارق بين المدارس الشعبية Folk school، ومدارس الكبار Adult school، فالأولى يلتحق بها الطلاب بعد المدرسة الثانوية، ويعيشون فيها، ويدرسون بشكل شبه أكاديمي، أما الثانية فهي مدارس تقوم بإعادة تدريب وتعليم الكبار؛ لتنمية مهاراتهم وتطويرها بما يناسب سوق العمل.
وأشارت “جينسين” إلى أن السمات التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي والتي تعتمدها المدارس الشعبية أيضا كمواصفات لخريجيها هي: القدرة على التواصل باللغة الأم وبلغة أجنبية، والرياضيات وأساسيات العلوم والتكنولوجيا والتعامل الرقمي، والمهارات المدنية والاجتماعية، وروح المبادرة وريادة الأعمال، والوعي الثقافي.
وأضافت أن من يولد في ظروف جيدة تكون لديه فرصة للتعليم الجيد، وبالتالي للارتقاء المجتمعي، أما من يولد في ظروف صعبة فلن تكون لديه هذه الفرصة، وبالتالي سيعيش حياة صعبة ولن تكون لديه فرصة لتحسينها؛ ولذلك يجب أن تظل فرصة التعليم الجيد متاحة للجميع طوال الوقت، لضمان فرص متكافئة.
التعليم هو ضمان فرصة الترقي المجتمعي ولذلك يجب أن يظل متاحا
وفي رابطة المدارس الشعبية العليا (The Association of Folk High schools (FFD التقينا بـ”سارة سكوفبورج مورتينسن” Sara Skovborg Mortensen، مستشار العلاقات الدولية للرابطة، التي تعمل على تكوين علاقات مع الحكومة والشركاء المجتمعيين، على المستويين المحلي والدولي، ووضع السياسات العامة للمدارس، والتنمية والتطوير، ويديرها مجلس مكون من رئيس وثمان أعضاء يتم انتخابهم كل عامين.
وفي هذه النوعية من المدارس يدرس الطلاب مختلف التخصصات والعلوم، بأشكال متنوعة تناسب المهارات والاهتمامات المختلفة للطلاب، وتعتمد على الاندماج التام بين الطلاب وبعضهم، ومعلميهم، عبر الإقامة الكاملة بالمدرسة، ولا تعد بديلا عن المدارس النظامية، ولا تمنح شهادات دراسية.
“سارة” خلال شرحها للوفد المصري
وتشير مستشار العلاقات الدولية إلى أن الطلاب يلتحقون بهذه المدرسة عادة بعد إنهاء المدرسة الثانوية، حيث يقضون عاما فيها قبل الالتحاق بالجامعة لاكتشاف أنفسهم وقدراتهم ومواهبهم، بعيدا عن ضغوط الامتحانات والدراسة النظامية، مشيرة إلى أن هذه المدارس تستقبل 10 آلاف طالب سنويا، 10% منهم من خارج الدنمارك، تبدأ أعمارهم من سن 17 سنة، وتقبل حتى سن السبعين، ويكون نحو نصف الطلاب من متحدي الإعاقة الحركية، ويعتمدون على مساعدة زملائهم لهم، ويدفع الطلاب مصروفات تقدر بحوالي 40 ألف كرونا في المتوسط للدورة التدريبية الواحدة، والتي تكون مدتها حوالي خمسة أشهر، والمدرسة تدفع عنهم النصف الآخر من المصروفات، وذلك عبر توفير تمويل ذاتي بإيجار المدرسة لعقد حفلات الزفاف.
وتوضح “مورتينسن” أن الرابطة تضم 70 مدرسة، كل منها مؤسسة مستقلة غير حكومية، تملك ذاتها، وتدار بواسطة مجموعة يختارها مؤسسوها من بينهم، عبر انتخابات ديمقراطية دورية، تضم كل مدرسة ما بين 50-200 طالب، وتتبنى مجموعة من القيم الأساسية في التعليم ومنها التوعية الحياتية، والتعليم المدني، وديمقراطية التعليم والتدريب.
خريطة بالمدارس الشعبية في الدنمارك
أما “رابطة تعليم الكبار” The Adult Education Association (FORA)، فتعرفنا فيها على برنارد ترير فريدركسين” Bernhard Trier Frederiksen، رئيس الأمانة العامة للرابطة، التي تشكلت عام 2004 عبر اندماج الحركات العمالية مع برامج التعليم غير الرسمي للحزب الليبرالي الاشتراكي، وهي رابع أكبر رابطة من نوعها في الدنمارك من بين خمس مؤسسات مماثلة، وتضم من 120-150 جمعية عضوة في أنحاء الدنمارك، ولكل جمعية أعضاء من المجتمع المحلي، ينتخبون من بينهم مجلس إدارة، و”قائد” للمدرسة يتقاضى أجرا، ولكل منها برامجها التعليمية، سواء الحرفية، أو في العلوم الاجتماعية كالتاريخ والسياسة، أو الفنية، أو الأنشطة الرياضية. وتتنوع طرق التدريس حسب المحتوى، وتتضمن إنفاق 10% من التمويل إجباريا على عقد المناظرات.
وتطرق “فريدركسين” إلى نشأة وتطور التعليم غير الرسمي في الدنمارك، مشيرا إلى أن نشأة هذا النوع من التعليم ارتبطت بالحروب التي خاضتها الدنمارك ضد ألمانيا وخسرت خلالها مساحات من الأرض، ولذلك احتاج الدنماركيون إلى مشروع وطني يجمعهم ويجعل ما خسروه بالخارج مرتبط بعقولهم وقلوبهم في الداخل، فنشأت هذه النوعية من التعليم لدعم كيان الدولة، وبدأت بالحرف اليدوية والزراعة، واشتملت على القراءة والكتابة، وكانت في البداية تابعة للكنائس، ثم انفصلت عنها.
وتحدث “فريدركسين” عن قانون التعليم غير الرسمي للكبار في الدنمارك، مشيرا إلى أن القانون يقوم على “الحس الجمعي” community feeling، لتوفير التمويل لهذا النمط من التعليم، على أن تكون المدارس مستقلة في تحديد موضوعاتها الدراسية، ونمط التدريس، واختيار المدرسين، وتكاليف الدراسة، شريطة أن تكون الدراسة متاحة للجميع، ولا تتدخل السُلطات في عملها، رغم كون هذا النمط من التعليم جزءً لا يتجزأ من الشكل الثقافي العام في بلديات الدنمارك الـ98، التي تمثل “سلطات مانحة” granting authority ، لديها سياساتها الخاصة بشأن “تعليم الكبار”، والتي يتم وضعها وتطويرها بالتعاون مع مواطني البلدية.
ويلزم القانون أيضا البلديات بفتح المدارس العامة للمدارس المسائية كمقار لها، وأن توفر ثلث قيمة أجور المدرسين، على أن يتحمل المتدربون القيمة الباقية، وتقدر أجور المدرسين مرة أو مرتين سنويا، وتبلغ 314 كرونا في الساعة، وأشار “فريدركسين” إلى أنه بالرغم من ارتفاع الأجر، إلا أن الضرائب وأسعار المعيشة غالية في الدنمارك.
وتتألف الدورة التدربيبية في المتوسط من 20 ساعة مقسمة إلى عشر محاضرات، وتكلف المتدرب من ألف إلى 1500 كرونا (بدون قيمة الدعم)، ويشارك في الدورة من 10 إلى 12 متدربا.
وأشار “فريدركسين” إلى أن جوانب القوة التي تتميز بها منظومة التعليم غير الرسمي هي وجود متدربين دائمين، ومجتمع مدني قوي، ودعم البلديات. بينما تواجه مشكلة ضعف إقبال الشباب على الاشتراك في إنشاء المدارس الشعبية تجنبا للعمل الروتيني، كما أن بعض أموال الدعم تكون أكبر مما تستحق المؤسسة مما قد يغري أحد السياسيين بمنعها.
الوفد في زيارة “رباطة تعليم الكبار” FORA
وفي الحلقة الثالثة من التحقيق نتعرف على ما دار في زياراتنا للمدارس نفسها، وطبيعة الدراسة فيها، وحياة الطلاب، ونستمع إلى المعلمين والدراسين، كما نزور مدرسة تحت التأسيس ونتعرف على تفاصيل جمع التمويل لإنشائها.
محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة (1)
شاهد: أبرز الأحداث التي شغلت الوسط الثقافي خلال عام 2018