الصناعات تضع البرامج الدراسية والوزارة تعتمدها.. والتحدي إقناع العامل بحاجته للتدريب.. واتحاد الصناعات: لا نظرة دونية للتعليم المهني.. ونؤمن بتعليم “أفضل” لا “أكثر”
في الحلقات السابقة من التحقيق تعرفنا على نظام التعليم في الدنمارك، ونبذة عن التعليم غير الرسمي بأشكاله، وتطوره التاريخي، ثم على الروابط التي تجمع المدارس غير الرسمية في الدنمارك، ودورها في المنظومة، وكيف توفر التمويل، ثم أجرينا زيارات ميدانية للمدارس غير الرسمية، وتعرفنا على نمط حياة الطلاب، ودراستهم، وتكلفة الدراسة، وغيرها.
وفي هذه الحلقة نزور وزارة التعليم، ونتعرف عن قرب على تجربة التعليم المهني، ودور الوزارة في مجال تطوير مهارات العمال أثناء العمل، ونزور اتحاد الصناعات، ونتعرف على أهميته في ضبط إيقاع العمل.
في وزارة التعليم، التقينا بـ”ماتياس هابر” Matthias Haaber و”ميليسّا كوسجارد” Melissa Kousgaard، وهما مديرا قطاع بالوكالة الوطنية للتعليم والجودةNational Agency for Education and Quality، وتتولى هذه الوكالة تقديم برامج تدريب للعاملين، لرفع كفاءتهم في سوق العمل، باستراتيجية تهدف إلى خلق فرص أفضل للعاملين لتنمية مهاراتهم ومعارفهم، وتوفر الوزارة الإطار القانوني لهذا النوع من التدريب.
نرشح لك: محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة (1)
وتتبنى الوكالة مفهوم “التعليم المستمر” Lifelong learning، عبر نظام “التدريب المهني” Vocational training الذي بدأ عام 1960، ولتحقيق هذا المفهوم تقدم هذه الوكالة برامج تدريب للجميع، العمال قليلي الكفاءة ومرتفعي الكفاءة، بمحفزات مادية مختلفة، واعتمادا على المسئولية المشتركة بين الدولة والشركاء المجتمعيين، بحيث تعمل هذه البرامج على حل مشكلات سوق العمل على المديين القريب والبعيد.
وأشار المصدران إلى أن قوة العمل في الدنمارك تبلغ 2.8 مليون شخص، يعملون في نحو 330 ألف شركة، منهم 65% يعملون في القطاع الخاص، وأن نسبة البطالة حاليا 4% من السكان، وتشير التقديرات إلى أن عدد العمال قليلي الكفاءة يصل إلى 750 ألف عامل، أي حوالي 25% من قوة العمل، كما تشير توقعاتهم إلى أنه بحلول عام 2020 سيكون هناك عجز في العمالة الماهرة بمقدار 40 ألف عامل، بما يعني وجود فجوة بين الطلب على العمالة الماهرة، ومدى توفرها في سوق العمل.
ولهذا الغرض تم إنشاء “مجلس تعليم الكبار” The Council for Adult Education الذي يتكون من رئيس و30 عضوا، ومهتمه تقديم استشارات لوزارة التعليم فيما يتعلق بتعليم الكبار والتعليم المستمر.
وأضاف “ماتياس وميليسا” أن مائة من الشركاء المجتمعيون، كأصحاب الصناعات، والاتحادات التجارية، والمؤسسات، ومدارس التعليم المدني، وجمعيات أصحاب الأعمال، يتولون تصميم محتوى التدريب، واختيار مكان التدريب (مدرسة أو ورشة..إلخ)، ومدته الزمنية، ومراقبة الجودة والتقييم، بينما تقوم وزارة التعليم باعتماده.
ويجب أن يستهدف كل برنامج تدريبي مهارة محددة يعمل على تنميتها، ولا يشترط للالتحاق بالبرنامج إلا أن تكون مقيما في الدنمارك أو تعمل بها، ويبلغ عدد برامج التدريب 3 آلاف برنامج، تغطي 150 تخصصا مختلفا، ويتم إضافة أو تطوير 450 برنامجا سنويا لمواكبة احتياجات سوق العمل، (بما فيها المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب وخاصة للمهاجرين، ولذلك تقدم البرامج بعدة لغات منها الفرنسية والصينية)، مع إمكانية إلغاء 250 برنامجا سنويا إذا لم تعد لهم حاجة، ويحصل المتدربون على شهادات معتمدة باجتياز دوراتهم، كما تؤدي هذه البرامج إلى زيادة مباشرة في الدخل السنوي للمتدربين تبلغ نحو 4 آلاف كرونا في السنة التالية مباشرة للتدريب، كما تزيد من قدرتهم على الانتقال من وظيفة لأخرى.
نرشح لك: محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة ( 2 )
وأوضح المصدران أنه خلال عام 2017، شارك في هذه التدريبات 460 ألف متدرب، 69% منهم ممن يعملون بالفعل، والنسبة الباقية تعاني البطالة، وتموّل الدولة، وأصحاب الأعمال، معا، حصول العمال على هذه الدورات، بحيث يحصل العمال عليها كمنح، أما غير العاملين أصلا، فتمول وزارة العمل Ministry of Employment لهم الحصول على التدريب، ويتراوح سعر الدورة التدريبية الواحدة ما بين 100-150 يورو في الأسبوع، علما بأن متوسط دخل الفرد في الدنمارك حوالي 312 ألف كرونا سنويا.
وألمح “ماتياس وميليسا” إلى أن قطاع التجارة والاتصالات يحتل مركز الصدارة في حصول العاملين فيه على دورات تدريبية بنسبة 28.4%، يليه كل القطاعات الأخرى تقريبا على الترتيب: المواصلات، والصناعة، والتدريس والصحة والعمل الاجتماعي، والبناء والتشييد، والزراعة منتجات الألبان، واللحام، والصناعات المعدنية، والخدمات، والمنشآت والطاقة، والفنادق والمطاعم والمخابز، وصناعة اللحوم، وأخيرا صناعة الأخشاب.
وفي إجابة على تساؤلات الحضور، قال المصدران إن التحدي الذي يواجه هذا النظام يتمثل في إقناع العامل بأنه في حاجة إلى المزيد من التدريب، وهي المهمة التي تقوم بها جهات العمل التي ترسل عمالها. ومستقبلا تتطلع الوزارة إلى زيادة التمويل العام لبرامج تعليم وتدريب الكبار لتصل إلى 150 مليون يورو بحلول عام 2020، مع زيادة أعداد المشاركين، ورفع كفاءة التدريب، وجاذبيته، ووضع برامج تدريب سريعة لمن تتجاوز أعمارهم 25 سنة.
صورة تذكارية للوفد مع “ماتياس” و”ميليسا”
وفي اتحاد الصناعات Confederation of Danish Industry، استقبلتنا “هينريت سويلتوفت” Henriette Soeltoft، و”لون بيرثيلسن” Lone Folmer Berthelsens، واللتان أشارتا إلى أن الاتحاد الاتحاد كيان مستقل تماما، ولا يتبع أي وزارة، وعموما لا تحتاج إلى إذن حكومي لإقامة اتحاد للصناعات أو غيرها، ويهدف إلى جعل المجتمع مفتوح ومزدهر، يتميز بالتوازن بين مصالح أصحاب الأعمال والعمال أنفسهم، ويسعى إلى جعل الدنمارك أكبر دولة جاذبة للأعمال Businesses، وذلك عبر مساعدة الأعمال على النجاح، بفلسفة تؤمن بأنه “عندما تربح الأعمال في الدنمارك، يربح كل الدنماركيين”.
وأوضح المصدران أن الاتحاد يقدم تدريبا يستهدف الإسهام في حل مشكلة إعادة تأهيل العمالة في سوق العمل، تطوير وتحسين مهارات العمال، وترقية قدراتهم.
وأضافت لون: “إننا نرى أنه الأفضل ليس “تعليما أكثر” وإنما “تعليم أحسن”، وأنه ليس الأفضل “الدراسة مدى الحياة” بالشكل التقليدي، وإنما “تعليم مدى الحياة”، ولا توجد “وصفة” لنظام تعليم جيد، ولكن نظامنا التعليمي هو نتاج محاولات تطوير عبر سبعمائة عام، ونتاج العقلية الدنماركية، وأشارا إلى أن النظام التعليمي يحترم حق الشخص في اختيار مجال وتخصص تعليمه وبالتالي مجال عمله.
وأوضحت هينريت: “لا توجد نظرة متدنية للعمال المهنيين، فبداية الأجور عند أصحاب المؤهلات العليا كالأطباء والمهندسين قريبة من أجور العمال، ولذلك هذه الوظائف لا يُنظر إليها بشكل سئ”.
ولفت المصدران إلى أن للاتحاد مكاتب في عدة مدن حول العالم منها واشنطن، ونيويورك، ومكسيكوسيتي، وساوباولو، وبروكسل، وموسكو، ونيروبي، وشنغهاي، ومومباي؛ تعمل على ترتيب مصالح أصحال الأعمال والصناعات الدنماركيين حول العالم، وتيسير حصولهم على العمالة الرخيصة.
هينريت خلال عرضها أمام الوفد المصري
وأضافا أن العمل يخضع لـ”اتفاق جمعي” Collective agreement، وهو عبارة عن اتفاق عرفي بين اتحادات العمال، وأصحاب الأعمال، على قواعد التعيين والفصل والأجور، وتم تطويره عبر سنوات ولكنه ليس تشريعا صادرا من البرلمان، ويدرج أصحاب الأعمال أنفسهم في هذا الاتفاق طواعية؛ لأنه يوفر عليهم الصدام مع اتحادات العمال والوقوع ضحية الإضرابات.
وألمحتا إلى أن السياسيين يحرصون على أن يكون المجتمع قادرا على إيجاد فرصه بنفسه، والعمل بفاعلية؛ لأن عكس ذلك سيكلفهم الكثير من المال، فالناس ستطالبهم بكل شيء.
وفي الحلقة الخامسة والأخيرة من التحقيق نزور المؤسسات العاملة في مجال الشباب والرياضة، وكذلك مدرسة فريدة من نوعها لتأهيل المهاجرات واللاجئات، وأخيرا نتعرف على طلب السفير المصري من وفد الزيارة..
محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة ( 3 )
شاهد: أبرز الأحداث التي شغلت الوسط الثقافي خلال عام 2018