"ضيف" إبراهيم عيسى الجديد على السينما المصرية

عاطف المختار

ربما كان الانطباع الأول منذ الإعلان عن ظهور فيلم الضيف من خلال المادة الدعائية للفيلم هو تجسيد لأفكار أو لشخصية إبراهيم عيسي المثيرة للجدل.. وهو بالفعل ما بدا جليًا من خلال شخصية د. يحيى التي جسدها بإتقان شديد الفنان خالد الصاوي.. والتي تحمل أفكارًا تنويرية تخالف كل الأفكار والمعتقدات والموروثات والتي تم تغليفها بقالب ديني حتي أصبحت للعوام هي من أساسيات الدين بل هي الدين ذاته.

هذه الأفكار التي أصبحت حملًا ثقيلًا علي صانيعيها في وقتنا الحالي، بعد أن أصبحت تهم التطرف والإرهاب تطال دولاَ بأكملها لا أفرادًا وتنظيمات بعينها.. يتصدى لها ذلك النموذج التنويري المتمثل في شخص د. يحيي التيجاني.. والذي يعلم جيدًا أن التصدي لتلك الأفكار والتنظيمات سيجلب له المتاعب والمشاق، وهو ما حدث بالفعل بداية من تهمة ازدراء الأديان، أو عن طريق محاربته ومحاولة اغتياله على يد تلك العناصر المتطرفة.

نرشح لك: مازن فوزي يكتب: فيلم (الضيف).. عودة الفيلم الحواري للسينما المصرية

من أهم مشاهد الفيلم ربما يكون ذلك المشهد الصغير الذي جمع بين خالد الصاوي ومحمد ممدوح الذي قام بدور الضابط المسؤول عن الحراسات. وتكمن أهمية ذلك المشهد كونه معبرًا عن كيفية التعامل مع الأفكار المتطرفة أو الإرهابيين بشكل عام.

وهنا نجد أنفسنا أمام طريقين مختلفين في التعامل، متفقين علي مبدأ واحد، وهو محاربة تلك الأفكار، فالدكتور يحيي يؤمن تمامًا بأن هذه الأفكار يجب أن تقابل بأفكار مجابهة، في حين أن الأمن يؤمن تماما بأن تلك الأفكار لا يجب أن تواجه بفكر بل تواجه بالقتل.

يفتح ذلك المشهد الباب لتساؤل مهم، وهو كيف يمكن محاربة الأفكار المتطرفة والإرهابيين؟ وربما أجاب عنها صناع الفيلم في نهاية المطاف، بمقتل الضيف، أو ذلك الإرهابي الذي قام بدوره الموهوب أحمد مالك، والذي أدي الدور بعناية فائقة، فلم يكن كالمعتاد بصورة نمطية لشخص متشدد متذمت كالتي نراها في الأعمال الدرامية، بل قام أحمد مالك بتجسيد الشخصية علي أنها ليست فقط ممتلئة بالأفكار المغلوطة بل هي في حقيقة الأمر شخصية تعاني من اضطرابات نفسية كثيرة، أظهرها الشاب الموهوب في العديد من مشاهد الفيلم، وهو شىء يحسب له بكل تأكيد.

يحسب لصناع الفيلم الجرأة في تناول بعض الأسماء، وإبرازها كأحد العناصر التي تسببت بأفكارها المغلوطة وبفتاويها في نشر التشدد في مجتمعاتنا، كابن باز والعثيميين، وهو شىء ربما لم تعتد عليه شاشات السينما، وربما أيضاَ يحسب للجهات الرقابية السماح لذلك التناول دون اجتزاء أو قطع.

حاول صناع الفيلم أن تكون أسرة الدكتور يحيي هي صورة مصغرة من المجتمع المصري، فالزوج المسلم والزوجة المسيحية هما في حقيقة الأمر طرفي الأمة المصرية أو هما المكون الرئيسي للمجتمع، وأن نتاج ذلك المكون هو الابنة التي ترعرت بينهما، وأن تلك العلاقة التي تسودها المحبة والمودة لم يعكر صفوها سوي ذلك الضيف الذي حل عليها، ذلك الدخيل الذي اخترق ذلك النسيج المترابط.

صناع الفيلم يحسب لهم أيضًا أمر مهم للغاية وهو بالرغم من السعادة الغامرة الظاهرية لتلك الأسرة، إلا أنها تعاني من اضطرابات ربما نفسية أو حتي مرضية، وأراد صناع الفيلم أن ينقلوا لنا مدي تلك المعاناة التي تتحملها كواهلهم جراء مجابهتهم للفكر المتطرف، وهو ما أظهره الصاوي ببراعة عند احتدام النقاشات، أو ما تعاني منه (مارلين) شرين رضا، والتي تعاني من ورم ومرض ألم بها.

شرين رضا التي قامت بالدور علي أكمل وجه وكانت تعبيراتها وأدائها صادق للغاية. وحتي الابنة والتي قامت بتجسيد دورها جميلة عوض، أظهرت كثيراَ من الاضطرابات النفسية والتي تكمن في كونها داخل أسرة تحمل أفكار تنويرية متحررة وما بين وجودها داخل مجتمع به أفكار تبدو في ظاهرها التدين، وهو ما جعلها مشوشة غير مستقرة نفسيا. جميلة عوض أظهرت كل ذلك بشكل رائع ينم على موهبة حقيقية، وتمكنت من الشخصية بكل تناقضاتها بحرفية شديدة.

إطلالة ماجد الكدواني أعطت للفيلم بهجة، ككل إطلالاته، وهو يجسد في الفيلم الجانب المسالم والذي لا يرغب في وجود تصادم أو مشاكل ربما تحدث لأفراد عائلته جراء المواجهة أو المجابهة، والذي يرى أيضًا أنه لا فائدة من كل ذلك، وهو يمثل بالفعل شريحة كبيرة داخل مجتمعنا.

الفيلم في مجمله جيد للغاية لما يحمله من فكرة جريئة. ربما تم طرحها في نقاشات أو ما شابه، لكن لم تتناولها السينما من قبل ففكرة مناقشة المتطرف أو الإرهابي لم تكن لها وجود في الدراما من قبل. كذلك النقاشات داخل الفيلم جديدة علي المسامع كونها تتسم بجرأة غير مسبوقة، في ضرب الأمثلة وطرح أسماء بعينها، ونقاشات حول أحاديث مشكوك بصحتها أو رواة للأحاديث ليسوا ثقات بالنقل وماشابه، كلها أشياء تعطي للفيلم أسبقية في ذلك التوجه الغير مسبوق. وهو شىء يحسب لصناع الفيلم سواء جهة الإنتاج أو للمخرج هادي الباجوري أو لإبراهيم عيسى، ويحسب أيضًا لأبطال الفيلم كونهم قبلوا أن يكونوا ضمن صناع هذا العمل الجرىء.

محاربة التطرف والإرهاب والأفكار المغلوطة لن ينجح فقط بالمجابهة والمواجهة الأمنية، بل سينجح أيضًا بوجود مثل تلك الأعمال التي تكشف زيف مزاعمهم، وأن تظهرهم بالفعل على أنهم ذلك الضيف غير المرحب به في مجتمعنا.

شاهد: مختلفة – طريفة – صادمة.. آراء المشاهير المثيرة للجدل