نقلا عن مجلة صباح الخير
القاعدة الأولى من قواعد فن الفرجة، أنه لا آراء يمكن أن تسبق مشاهد العمل الفني، المتاح هو التوقعات التي قد تجعل أحدهم لا يذهب لمشاهدة أحد الأفلام لأنه يبدو تجاريًا فارغ المضمون أو أكشن به مبالغات وهو مثلا لا يحب هذه النوعية من الأفلام، لكن لا يجوز مصادرة حق من يريد مشاهدة نفس الفيلم، أما المرفوض فهو أن يتحول التوقع إلى تحذير من المشاهدة؛ ربما هذا ما يفسر الإقبال المبكر على فيلم “الضيف” ثاني أعمال الكاتب والروائي إبراهيم عيسى لشاشة السينما، والذي بدأ الجمهور يذهب لمشاهدته قبل يومين كاملين من إقامة العرض الخاص للفيلم بحضور كل الأبطال فيما عدا يحيي حسين التيجاني أو خالد الصاوي لارتباطه بمهمة عمل في بيروت.
“الضيف” نموذج لشريط سينمائي أكد حساسية القضية التي يتصدى لها حتى قبل أن يشاهده الجمهور، وذلك بعد انتشار دعاوى لعدم مشاهدته باعتباره يعبر عن أفكار غير مقبولة لدى البعض، والأمر كما يقول “سلو بلدنا” مرتبط بشخص وأفكار الكاتب، يعني لو ذهب الفيلم نفسه لمجتمع آخر لا يحكم على الأفلام من أفيشاتها ربما كانت ردة الفعل معاكسة لما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي من آراء تتحفز لكل ما هو “مختلف عليه”، وهو بالمناسب اسم آخر برامج إبراهيم عيسى والذي يقدمه عبر قناة “الحرة”.
قد تكون آراء البعض الفنية صائبة، أقصد فيما يتعلق بأن الفيلم عبارة عن مشاهد حوارية مطولة أقرب لما كنا نشاهده في برامج التوك شو خصوصا ما يقدمه إبراهيم عيسى، لكن من قال إن هذا النوع من الشرائط غير موجود في السينما، وإلى متى سنفرض نوعيات معينة ومن يخرج عليها يصبح مارقًا سينمائيا؟، المهم بالنسبة للفيلم وصناعه ما إذا كان هذا النوع أو القالب الذي احتوى الفكرة مناسبًا لتقديمها أو لا، والإجابة على هذا السؤال من وجهة نظري أن “الضيف” حوّل منزل الدكتور التيجاني إلى نموذج مصغر من المجتمع المصري، حيث يحل التطرف والتشدد ضيفا ثقيلا عليه منذ عقود لكنه هذه المرة جاء في شخص شاب متعلم وسيم يتقن اللغات، لكن أفكاره المتطرفة أقوى من قدرته على الاختلاف والتعايش. يدخل الشاب بحجة طلب يد ابنة التيجاني، وتدريجيا يتضح أنه جاء ليناظر الأب ويهزمه من خلال الابنة التي استجابت لأفكاره بينما لم تهتم طوال عمرها بقراءة كتب الأب، فيما الأم تفاجأ بأن ابنتها نفسها تعبت من الحرية وهو في رأيي واحد من أهم مشاهد الفيلم، وفكرة يجب أن يتوقف عندها الآباء طويلا، كيف نوازن بين تمهيد طريق الحرية لأبنائنا أو إجبارهم على السير في طريق محدد باعتباره الأكثر سلامة، فالأبناء يحتاجون لمعادلة تجمع بين الطريقين، فحتى الحرية تحتاج لمرشد وإلا ستتحول إلى تشويش كالذي أصاب الابنة وجعلها تثق في الشاب المتشدد وتعتبره فقط متدين وسطي قبل أن يرفع السلاح على أسرتها ويضع سكينته في عنقها.
قدم خالد الصاوي أداء جيدا للغاية في شخصية الدكتور التيجاني، وحافظت شيرين رضا على تألقها الذي اعتاده الجمهور في أفلامها الأخيرة، فيما اعتبر الفيلم أفضل ما قدمت الصاعدة جميلة عوض، وأعيب على أحمد مالك افتقاده الثبات الذي من المفترض أن يتمتع به المتطرف المؤمن بأفكاره في المشاهد الأخيرة وظهوره وكأنه مهتز نفسيا، الإشادة بالظهور الخاص لماجد الكدواني تكرارا يقلل من قيمة ما يراكمه هذا الممثل من إبداع، فيما نجح هادي الباجوري في الخروج من المأزق الإخراجي المعتاد: كيف لا نشعر بالملل ونحن نجلس ساعة ونصف داخل نفس المنزل.
في أول أفلامه “مولانا” سعى إبراهيم عيسى لكشف كواليس حياة الدعاة الجدد، في ثاني أفلامه “الضيف” جسد معاناة من يتصدون للأفكار المتشددة أو على الأقل يحاولون الاختلاف معها، يا ترى عن أي قضية ساخنة أخرى سيكون فيلمه الثالث؟
شاهد: يحدث في مصر في 2019