أغلب الخطوط بين السلطة وصناع الإعلام، سواء أهل المال أو أهل المهنة، متقاطعة ومتشابكة ومعقدة، بين الطرفين صراع خفي ومعركة مؤجلة نارها، لحين يستقر الأمر لبعضهم في معارك أكبر.
لا السلطة وجدت من رجال المال والإعلام الخضوع المغلف فى صورة دعم وطنى كانت تنتظره، ولا وجدت من الداعمين أهل الطبلة والتهليل أداء يرقى لحمايتها أو دعمها، ولا رجال المال والإعلام وجدوا من السلطة قربا يمنحهم ما كان يملكه إبراهيم نافع وسمير رجب ورجال أعمال الوطني من نفوذ ومكاسب مالية، باختصار ترويض السلطة للإعلام لم ينجح بعد، وصراع رجال الأعمال المستثمرين في سوق الإعلام على الرئيس لم ينتهِ بعد.
ورغم كل التقاطعات والخلافات، اتفق الطرفان في لحظة واحدة عن عمد أو سوء وعى، على ضرورة تجريف الفضائيات من البرامج السياسية لصالح جرعة أكثر من إعلام التسعينات وخلطته المعهودة من أسئلة فضائحية لنجوم فن وبرامج مسابقات، إلى فتح ملفات قضايا تغييب العقل الجن والتحول الجنسي والشذوذ، ووصولاً إلى قضايا الخلاف الديني الكبرى عذاب القبر والبخاري ومسلم وكتب التراث.
جاء الاتفاق متزامناً مع رغبة صناع الإعلام في تعويض خسائرهم تحت مظلة اعتقاد وهمي وجاهل بأن المشاهد لا يريد إعلاماً جاداً أو حديثاً في السياسة، بدلاً من إقرار الحقيقة القائلة بأن المشاهد لا يريد سياسة وإعلاماً على طريقتهم في التلون والصراخ، كما قدموه في سنوات ما بعد الثورة.
أما السلطة فقد تواطأت مع هذا الإتجاه، ظناً وتوهماً منها أن تقليص عدد ساعات البرامج السياسية الجادة في الفضائيات سيقلل بالتبعية مساحات الإحتقان ومطاردة الأخطاء، وتفجير الأزمات بالكشف عن كوارث الحكومة ومؤسسات الدولة، وظن وتوهم السلطة في عام 2015 لا يختلف أبداً عن ظن وتوهم السلطة في منتصف التسعينيات، سلطة مبارك التي ظنت أن تضييق مساحات الإعلام الجاد لصالح نشرات الأخبار المكتوبة بملل، وفتح الساحة الفضائية لبرامج السهر وأسئلة فضائح الفنانين سيكفل لها شغل الناس عن أدائها الكارثي، فكانت النتيجة فراغ إعلامي شاسع لم يجد المشاهد المصري من يملؤه سوى قناة الجزيرة، وفي مرحلة لاحقة المحتوى المقروء والمسموع والمرئي على الإنترنت والذي أنفق عليه الإخوان ملايين حتى وصل بهم إلى 88 مقعداً برلمانياً في 2005 وكاد يصل بهم إلى رقم مماثل في 2010، ثم وصل بهم إلى السلطة في 2012، والأهم من ذلك أنه منح عقل المصريين هدية لقناة الجزيرة في ظل تراجع دور الدولة عن تقديم إعلام جاد ونقاش سياسي محترم، وتقييد القنوات الخاصة عن تقديم محتوى مماثل لما تقدمه الجزيرة.
نفس المشهد يعاد تمثيله الآن على مسرح عام 2015 فى دليل جديد على أنه لا أحد من أهل إدارة هذا الوطن أو إعلام هذا الوطن ينتمي إلى فئة الشطار الذين يعلمهم التكرار.
ملخص الأمر يا من تسكنون أجهزة الدولة أو مكاتب حملة أسهم المحطات الفضائية: لا تبيعوا عقول المواطنين للأعداء، ولكن امنحوا عقولكم فرصة للتفكير في خوض معركة حرية الإعلام من جانب، وتطوير محتواه ليرتقي بوطن يريد أن يمضي قدماً للمستقبل من جانب آخر.
نقلًا عن “اليوم السابع”