نشر الكاتب والروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد، عبر حسابه الشخصي على موقع “فيس بوك”، فصلًا كاملًا من روايته الجديدة، التي ذكر أنه سينشر عددًا من فصولها لحين التعاقد مع ناشر قريبًا.
وفيما يلي نص أحد فصولها:
هذا الضوء الذي لا يحجبه شيئ حوله غريب . أغمض عينيه وفتحهما أكثر من مرة . تطلع حوله فوق الأرض فرأي المقابر تمتد إلي مسافات بعيدة من كل ناحية . فرد ذراعيه يتمطي وهو يشعر أن جسده مضموم إلي بعضه كأنه نام مائة عام . عاد ينظر إلي المقابر ويُدرك أنه خرج من واحدة منها . كيف حقَّا خرج من المقبرة ؟ نظر إلي إسمه المنحوت علي قطعة مربعة من الحجر القديم . “هنا يرقد في سلام الأستاذ سعيد صابر . ولد عام 1945 وتُوفي ……”
ماذا يحدث لو نزع الحجر . لقد عاد إلي الحياة . قفز في الهواء ثم مد يديه متصورًا أن خلع الحجر سيكون صعبًا لكنه خرج بين يديه بسهولة . مشي به بعيدا قليلا وتركه علي الأرض وهو ينظر حوله في ارتباك ثم غطَّاه بالتراب . فكَّر مبتسما لو نزع كل أحجارالمقابر التي تحمل أسماء الموتي ووضعها في غير أماكنها فيزور الأحياء موتي لا يعرفونهم؟ هل سيحزن الموتي ؟ الموتي لا يشعرون . لكن هل يمكن للعائد من العالم الآخر أن يحمل كل هذا الشر ؟ ألا يجب أن يرقص فرحًا الآن ؟
تذكَّر أيام شبابه وكيف كان لا يكف عن الضحك وما كان يفعله مع صديقه الجميل ” صابر سعيد ” في الآخرين من فصول ومقالب مضحكة كانت زادهم في الحياة . قفز في الهواء مرة أخري بفرح كبير . هذا أكبر دليل علي إنه إنسان حقيقي . مطَّ شفتيه . يعرف أن الذي أعاده إلي الحياة هو الكاتب سامح عبد الخالق . هو نفسه الذي كتب الرواية عنه وعن صابر سعيد و لم يكن صابر سعيد إلا سامح عبد الخالق . لكن كيف وجد اسمه الذي اختاره الكاتب علي المقبرة وليس اسمه الحقيقي . مَن الذي فعل به ذلك ؟ وكيف وافقت أسرته علي ذلك ؟ هل قرأ ابنه وابنته وزوجته الرواية وأعجبتهم ومن ثم وضعوا اسمه الفني علي المقبرة ؟ إنهم يعيشون في أميركا وهو مات في مصر . هل لم يأتوا ليدفنوه وقام سامح عبد الخالق بدفنه واحتفظ له باسمه الفني ؟ كيف إذاً تم استخراج أوراق الدفن وإعلام الوراثة ولايوجد تاريخ وفاة ؟ أم أن التاريخ كان موجودًا علي قطعة الحجر ومحته الأيام . وكيف عرف سامح إنه تُوفي بينما انتهت روايتهما في أواخر السبعينات وسافر في نهايتها سعيد صابر ولم يكتب سامح عبد الخالق أنه عاد إلي مصر ومات فيها بعد كل هذه السنين ؟ سيعرف من سامح عبد الخالق كل شيئ فهو ذاهب إليه . يكفي مافعله بمقبرته إذ نزع الحجرالذي عليه إسمه . لكن هل هو سامح حقَّا الذي أعاده إلي الحياة ؟ وإذا كان هو فهل يستطيع سامح أن يعيده إلي الموت من جديد . لو أعاده سامح سيطلب منه أن يضع علي المقبرة إسمه الحقيقي . سامح لن يرفض . سامح صار كاتبا مشهورًا ويعرف الفرق بين الفن والحقيقة . لكن هل يذكر حقا اسمه الحقيقي ؟ فجأة الآن نسي إنه قد عاش بعد زمن الرواية ولم يعد يذكر اسم زوجته ولا ابنته ولا ابنه . إن ما تذكره الآن من أنه كان له أسرة نسيه حقًّا . لا يذكر إلا سنوات الرواية وماقبلها . ولابد أن سامح الذي استدعاه إلي الوجود هو الذي فعل ذلك . هو علي يقين إنه كان ميتًا !
مشي في هدوء والفضاء واسع والشمس مبهرة فوق الدينا وهو يفتح عينيه ويغلقهما أكثر من مرة حتي يتعود علي الأضواء . كم من السنين مضت وهو بين الظلام ؟ لا يعرف غير أن الرواية التي ظهر فيها انتهت أحداثها في نهاية السبعينات . وحين شاهد رجلًا يقف أمام مقبرة يرتدي بنطلونًا وقميصًا وفي قدميه حذاء نظر إلي نفسه في رعب . لابد إنه خرج عاريًا . لكنه وجد نفسه يرتدي الزي نفسه . فقط بنطلون الرجل الجينز ضيق جدًا من أسفل يكاد يلتصق بساقيه بينما بنطلونه هو الجينز أيضًا متسع . لايذكر الزي الذي كان يفضِّله ولم يُدهشه إنه يرتدي زيًّا قريبًا من الرجل الحي . أدرك فقط أنه قصير كما كان وأنه لم يكن يميل إلي البنطلون الشارلستون كما كان يفعل سامح . إنه قصير كما وصفه سامح في الرواية التي كم طلب منه أن يكتبها . والتي رغم أن سامح كتبها بعد موته هو فالملائكة حدثته عنها . أخبروه أن سامح نفذ وصيته له . وحسده الموتي وهم يتنزهون بين الأشجار في الفردوس الذي لا ينتهي اتساعه . وراحت النساء تطارده بعيونهن من فوق كل الأغصان . نحن هنا موتي وأنت صرت مشهورًا في الدنيا بعد موتك . تكاثرت عليه الحور العين . هو الآن سعيد بعودته إلي الحياة رغم أنها لا يمكن أن تكون بجمال الجنة . نسي إنه خرج من المقبرة بغير إرادته . جاءه ملاك جميل فتح له جناحيه وقال سأحقق رغبة صديقك في أن تعود إلي الدنيا .
لقد مات إذن فجأة ولم يشبع من الدنيا بعد وإلا ما أعاده سامح إليها . لقد عاد شابًّا . فليلتهم الحياة من جديد قبل أن يعيده سامح عبد الخالق إلي الموت مرة أخري !
أحسَّ بصدره يتسع . هو الآن يملك من القدرات ما لايعرفه أحد . لا أحد يعرف قدرات الموتي .
استمر في طريقه يتذكر أن هناك شيئًا إسمه المرآة يمكن أن يري نفسه فيها وأي ملامح يحملها . لقد نسى حقًّا ملامحه . لكن القوة التي يشعر بها في قدميه جعلته يتأكد بالفعل إنه ليس عجوزًا .
استمر يمشي حتي وجد نفسه علي طريق من الأسفلت . رأى أمامه بعيدًا قلعة صلاح الدين واضحة في الفضاء . لكن السيارات تجري من خلفه ومن أمامه . فليمشي على الرصيف الضيق . هذا الشارع لم يكن متسعًا هكذا من قبل . كانت السيارات في الإتجاهين تسير في نهر واحد . مضت سنون طويلة حقًّا . لابد . لقد أعاده سامح من روايته شابًّا كما كان في سبعينيات القرن الماضي وحسنًا فعل . لكن لماذ حقًّا أعاده سامح عبد الخالق إلي الحياة . هل ليصنع من حياته الجديدة رواية أخري ؟ وهل سيكون رفيقه في الرواية الجديدة ؟ كيف وسامح الآن لابد تجاوزالسبعين من عمره .
توقف يفكر في عمق . سامح يكتب رواية جديدة ويخدعه ويخدع القراء . وما ذكره مما رآه هو من الجنة الآن لم يرَه لكن سامح هوالذي ألقي به في روحه ليقنعه بأنه قد مات حقًّا وإلا من أين أعاده للحياة . لا ليس سامح الذي فعل ذلك . قال ذلك لنفسه وهو يضحك . هو الذي تجسَّد من جديد ليفاجئ سامح . هو يعرف أن سامح فكر فيه واشتاق إليه أمس فقط . وهو لايذكر أنه مات . بل هو الذي أوحي بذلك لسامح لتكون الرواية الجديدة صادقة . فيخرج من المقبرة ويتحدث عن عالم آخر لم يذهب أصلا إليه وعن زوجة وأبناء وهو مالم يحدث وإلا كان يتذكر أي شيئ منه . لقد انتهت الرواية به أعزب وهو يغادر البلاد . إنه لايعرف لماذا اشتاق إليه سامح . وحتي لو لم يكن سامح قد اشتاق إليه . هو يشتاق إلي سامح الآن . سامح جعل منه شخصية من لحم ودم . وهو يؤكد ذلك الآن ويكذب ويقول لنفسه باسمًا أن الملائكة يدركون ما في أرواح الموتي من أشواق للحياة !
—————-
لم تمضِ ساعة حتي كان يقف أمام الكاتب سامح عبد الخالق في غرفة مكتبه . انتفض الكاتب وترك مكتبه في هلع وهو يتساءل :
– من أنت !؟
ظل واقفا أمامه في صمت وارتباك .
لم يتكلم واستمر الكاتب :
– كيف حقًّا أتيت ودخلت إلي بيتي ؟
قال وهو يُحرك كفيه أمامه :
– لا أعرف . أريد أن أعرف منك . أنت الكاتب الذي يخلق شخصيات من العدم . أنت فكرت في عودة سعيد صابر وها أنذا قد عدت فهل نسيتني ؟
ضرب الكاتب سامح عبد الخالق كفيه ببعضهما وهو يضحك ويقول وهو يدور حول نفسه :
– أنا قرأت يومًا عن شخصيات الرواية التي تظهر لكاتبها بعد أن ينتهي من روايته , وكثيرا جدا ما اشتقت لشخصيات رواياتي الي حد البكاء ومشيت أبحث عنهم في الشوارع . وكتبت يوما قصة جمعت فيها كل النساء الذين كتبت عنهم . قصة قصيرة . لقد ظهروا لي دون إرادتي لكني فكرت لماذا حقًّا وأنا خالق الشخصيات لا أقرر متي وكيف ومن يظهرمنهم في الوجود ؟ أنا الخالق وليس هم ليظهروا وقتما يريدون .
واستمر سامح عبد الخالق يضحك وسعيد ينظر إليه في دهشة حتي قال من جديد .
– بل يومًا ما منذ سنوات طلبوا مني في صحيفة في صيف عام 2011 حيث كان شهر رمضان أن أكتب مقالة مستوحاة من التراث العربي كل يوم طوال الشهر . قلت لهم لن أكتب مقالات لكن سأكتب لكم ثلاثين حكاية بعنوان ” حكايات ساعة الإفطار ” كتبت تسعًا وعشرين حكاية وضاقت الدنيا علىَّ بالحكاية الثلاثين وفجأة أضاءت الدنيا بها . لقد عدت إلي البيت ساعة الإفطار فوجدت كل من كتبت عنهم في انتظاري في الصالة . وكانت هذه هي خاتمة الحكايات .
وعاد سامح عبد الخالق يضحك من جديد ثم يقول :
– لا تتخيل حجم الرضا عند بعضهم وحجم اللوم عند آخرين لأني غيَّرت في وقائع الأحداث وفرقت أحيانًا بين الأحبة . لكنهم في النهاية أخذوني معهم إلي العالم الآخر . الجَنَّة التي يعيشون فيها بعيدًا عن هذا العالم القاتل ولم أعد . في الحكاية أقصد .
ثم راح سامح يضرب كفًّا بكفٍّ لحظات ثم يقول :
– لقد فكرت فقط أن أستدعي سعيد صابر. مجرد تفكير لثوانٍ ولم أكن أدري إنك ستستجيب وتأتي بهذه السرعة .
حطَّ عليهما الصمت للحظات انفجر فيها الكاتب سامح عبد الخالق فجأة بالدموع وهو يتقدم ناحية سعيد صابر ويحتضنه :
– كم أوحشني فقدك ياسعيد . لقد كنت وفيًّا حيًّا وميتًا . عدت لي حين أردت أنا أن تعود .
إبتسم سعيد صابر وسأله :
– هل يمكن أن أجلس ؟
أشار الكاتب إليه برأسه أن نعم فجلس سعيد صابر وقال :
– و هل يمكن أن أتأخر عنك ؟ بل ومتي تأخركل منَّا عن الآخر ؟ هل يمكن أن أسميك صابر سعيد كما كان اسمك في الرواية التي خلقتني فيها ؟
وضع الكاتب رأسه بين يديه وهو جالس خلف مكتبه يفكر ماذا سيحدث لو فكر في استدعاء شخصية أخري من رواياته . هل في كل مرة ستأتي ؟ . ووجد نفسه يقف يصرخ :
– كيف أصدقك . أنا أردت سعيد صابر الذي افتقده كل يوم . الذي لا يغيب عن روحي . والذي هو وهم . إنسَ كل ماسمعته مني الآن وقل لي مَن أنت وكيف تقمصت جسد وشكل سعيد صابر . بل وقرأت أفكاري وأنت لا تعرفني فجئت تسخر مني ؟
قال سعيد بهدوء :
– ماقلته لك هو الحقيقة . هذا هو أنا كما وصفتني في روايتك . كيف لي أن أغامر بالحياة التي لم يعد يعرفني فيها أحد . – وابتسم – هل تتصور أن البوليس كاد يقبض عليَّ . سألوني عن الرقم القومي . ما هذا الرقم القومي ؟
ثم أشار إليه بيده أن لا يتكلم واستطرد وهو يبتسم :
– فهمت وحدي إنه لابد بديل للبطاقة الشخصية القديمة التي كانت في أيام روايتنا في السبعينات واستطعت أن أهرب منهم .
– أنت استطعت أن تهرب من البوليس ؟
– لا أعرف كيف . وجدت في روحي طاقة أن أكون شبحًا غير مرئي فقفزت عاليًا أرفس فيهم وعبرت الطريق ورحت أقفز في الشوارع . رأيت نفسي شبحًا بحق . ثم وجدت نفسي أقف بني آدم عادي وسط شارع عرفته هو شارع محمد علي . لماذا هدموا بواكي العمارات ولماذا خلعوا منه البلاط البازلتي الصغير الجميل . وما هذا الزحام . وهل لا تزال فرق العوالم تعيش هناك ؟
وضع الكاتب سامح عبد الخالق رأسه بين كفيه . يريد أن يصدق ولا يستطيع . إذن هو ليس حقيقيًّا إلا أمامه . غير ذلك يمكن أن يكون شبحًا ؟ أليس شخصية من هواء ؟
– هل يمكن أن تفسِّر لي كيف ولماذا جعلت سعيد صابر يفعل كل مافعل في روايتك ؟
ابتسم الكاتب سامح عبد الخالق في حيرة . ماذا سيحدث مع الشخصيات الأخري إذا فكر في استعادتها . هل سيسألونه نفس السؤال . من يدري ربما يحاسبونه . بل ويعتدون عليه هو الرجل المسن الآن الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه . لكنه تماسك وقال :
– هو هكذا التأليف فيه شيئ غامض يسميه الناس الوحي أو الإلهام لا يكون الكاتب علي دراية به . وانا لم أفعل شيئًا مسيئًا لسعيد علي أي حال . ولا أحد يعرف إنه كان شخصية حقيقية غيري أنا .
– وغيري أنا أيضًا !
نظر إليه الكاتب سامح عبد الخالق في دهشة واستطرد سعيد صابر :
– أعرف أن سعيد صابر الحقيقي طالما طلب منك أن تكتب عنه وأنت فعلتها بعد موته . المهم أنك أوفيت . لكن هل يمكن أن تقول لي مَن هو لأبحث عنه بين المقابر وإذا أعدتني إلي العدم أعود اليه ؟
سكت الكاتب سامح عبد الخالق وبدا مهمومًا وهو يسأل نفسه هل حقا يمكن أن يكون سعيد صابر صادقًا ويريد العودة إلي العالم الآخر وهو أصلًا من عدم ؟ أم إنه يلعب معه لعبة غير مفهومة ؟ لتستمر اللعبة وليعرف كيف ستنتهي . هو الذي استدعاه فليتحمل . ولن يكون سعيد صابر شريرًا أبدًا . وحتي لو فعل ذلك فلن ينتصرعليه مهما انتوي من شرور . هو الكاتب الذي يملك قدرات إلهية الآن . قال ضاحكًا :
– لقد عدت شابًّا ويمكن أن تعيش حياة أخري فلا تفكر في العودة إلي الموت . ستتذكر حياة سعيد صابر التي سبقت صحبتنا في الحياة , وستتذكر صحبتنا في الحياة , لكني جعلتك لا تتذكر ما بعد ذلك فلا تسألني عنه . أريدك كما هي الحقيقة شخصية من عدم انتهت حياتها مع انتهاء الرواية .
سكت سعيد لحظات وقال :
– لا أعتقد أني ساحب الحياة مرة أخري رغم أنه قد صارت لي قوة غريبة لم أتوقعها .
– أي قوة ؟
– أن أتحول في لحظة إلي شبح كما قلت لك .
ثم ابتسم وقال :
– حين عدت إنسانًا في شارع محمد علي رأيت الناس علي الرصيفين يقفون متجمدين . حييتهم بيدي وأخذت طريقي على مهل إلي بيتك .
ابتسم الكاتب سامح عبد الخالق وقال :
– الآن لابد سيحدث ارتباك بين قوات الشرطة . الضابط لابد سيبلغ رؤسائه برجل تحول إلي شبح وربما يسخرون منه ولا يصدقونه . وهناك ارتباك آخر لابد حدث للذين رأوا الشبح قد صار رجلًا . هؤلاء لن يتكلموا طبعًا لكنهم سيفكرون طويلا هل ما رأوه صحيحًا أم لا .
– هل أنت الذي حولتني إلي شبح . هل أنت الذي أعطيتني هذه الطاقة العجيبة ؟
– كل مافيك من قدرات خيالية الآن من صناعتي فلا تفكر أن تستخدمها ضدي أبدًا .
وسكت الإثنان لحظات حتي تساءل سعيد صابر :
– هل لازلت تعمل بالسياسة ؟
– لا . لكن ماحولي قاتل لكل أمل . لقد اصبحت عاجزا عن الكتابة . وهذا سر حنيني إلي شخصياتي . إلي ليالٍ عشناها في القاهرة معًا والإسكندرية وكل المدن التي كتبت عنهم فيها . إلي نساء أحببتهن . إلي أحلام كنت أريدها أن تتحق لبلادنا . هل نسيت أحلامنا ؟
وقف سعيد صابر وقال :
– إذن سأعود إلي حيث كنت . لا طاقة لي بالسياسة وأنا قادم من بين الملائكة .
تردد الكاتب سامح عبد الخالق ثم دخل في استسلام هادئ وحط الصمت عليهما حتي قال سعيد صابر :
– أو تجعلني أقابل معك شخصياتك وأعرف ماذا ستفعل مع مَن أحببت . هل تعطيني الفرصة؟
بدا الكاتب في ذهول واستطرد سعيد صابر :
– أريدك أن تجمع كل شخصيات رواياتك هنا وتتحدث معهم . أنا ليس عندي ما أقوله لك أو اسألك عنه .
ثم ابتسم في خبث وقال :
– كما أني أريد أن أكتب رواية شخصياتك بعد العودة الي الحياة .
– أنت ؟
– أجل .
– انت تكتب راوية ؟
– هل هناك ما يمنع ؟ هل نسيت أني مخرج مسرح . يعني فنان . وكنت أحيانا أؤلف المسرحيات . ألم أكن كذلك في روايتك ؟ وما دمت عاجزًا عن الكتابة فاتركني أكتب أنا !
إندهش الكاتب من هذا الطلب الغريب . ثم فكر أن كل الناس تكتب الروايات الآن فلماذا لا تكتبها شخصية من الوهم . لكن هل يعرف سعيد صابر ذلك ؟ لم يُعلِّق . تعود أن لا يقول رأيا في هذه المسألة , لكنه فكر هل يمكن حقا أن يكتب هذا الوهم العائد رواية عنه وعن شخصياته وفوجئ به يقول له :
– سأنتهي من الرواية وأتركها لك لتنشرها بعد عودتي الي المقبرة !
فكر سامح عبد الخالق قليلًا ثم ضحك وقال :
– لي شرط واحد .
– ماهو ؟
– أنت حر في اختيار أي شخصية من الحياة حولنا لكن من رواياتي ستكتب فقط عمَّن أستعيدهم أنا وأسمح لك بالاقتراب منهم . بل لعلك تكتب عن هذا العالم الذي نعيشه أكثر مما تكتب عن الماضي متجسدًا في شخصيات رواياتي . لعلك تستطيع أن تكتب عما يجعلني أميل إلي اعتزال الكتابة .
قال صابر سعيد متحمسا :
– موافق . المهم أن تضع إسمي علي الرواية كمؤلف حقيقي ولا تطمع فيها .
شاهد: أبرز الأحداث التي شغلت الوسط الثقافي خلال عام 2018