كريم الدجوي: ريهام سعيد إعلامية النظام الأولى!

لم أقصد بالعنوان أن ريهام سعيد تتفوق على توفيق عكاشة وأحمد موسى وغيرهم في توجيه الجمهور طبقا لتعليمات الجهات الأمنية، فمهنة بوق النظام لها أصحابها الذين صار لهم شأن وخبرة في هذا المجال. لكن ما أقصده أن ريهام نفسها كإعلامية تشارك الدولة نفس الفكر والعقيدة، وربما تشبه النظام نفسه في كثير من الأمور، حتى وإن لم يكن الطرفان يدركان ذلك.

ريهام بالرغم من شعرها المصبوغ، وعلاقتها الحسنة بمعظم من ينتمون للوسط الفني والإعلامي المتحرر نسبيا، ورغم دراستها في مدارس أمريكية والجامعة الأمريكية أيضا (كما تدعي هي)، لكنها تتمتع بخلفية ثقافية مصرية متحفظة، تميل في كثير من الأحيان لثقافة الريف التي تهتم بالعيب والعادات والتقاليد أكثر من الصواب وصحيح الدين، وهو أمر مقبول في مجتمعها ولأبناء تلك الثقافة الحق في الفخر بانتمائهم لها، لكن الكارثة عندما يكون ذلك هو فكر أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في المجتمع المصري، خاصة الطبقات الأكثر بساطة من هذا المجتمع.

أعتقد أن ريهام شديدة الذكاء، تعرف ما الذي يهم المواطن، ما الذي سيجبره على الجلوس أمام شاشة التلفاز لمتابعته؛ الإلحاد، الجن والمس، الاغتصاب، زنا المحارم، وأخيرا الألتراس. تتعامل مع كل تلك القضايا بطريقة “الفن رسالة” – والتي يستخدمها في الأغلب من لا يقدم فنا – فتحول ريهام القضية الساخنة إلى صراع شخصي بينها هي الممثل الرسمي للدين والأخلاق، والطرف الأخر الذي لا حق له في مناقشة عادلة يحصل من خلالها على بعض من التعاطف.

تجلب ريهام طفل عمره 12 سنة حافظ للقرآن ليقرأ بعضا منه على “مسيحي” قرر ترك المسيحية، وتطرد ملحدة (لا دينية) لإنها لا تؤمن بنبوة سيدنا محمد مع إن كونها خارجة عن الدين يجعل عدم اعترفها بالنبي أمرا متوقعا قبل تصوير الحلقة. وتقدم سلسلة حلقات عن المس والسحر ترفض فيهم الاستماع لأراء الأطباء النفسيين، معتمدة على جملة “الجن والسحر مذكورين في القرآن” كمبرر لتروج للدجل الذي يجذب ملايين المشاهدين ويغيب وعيهم.

أما عن الاغتصاب فحدث ولا حرج، قدمت حلقات متعددة أبطالها فتيات قاصرات، تُصر على أن تعرف منهم تفاصيل الاعتداء عليهن، مهما حاولن عدم الخوض في تلك التفاصيل، مهما كان ذلك منافيا لحقوقهن كقاصرات، ومهما سيحدث من تأثير سلبي يجعل من الصعوبة تأهيلهن للتعافي من تلك الأزمات (وهو أمر لا يحدث في مصر)، ومهما سُيكلف تلك الفتيات وأسرهن من مضايقات وحرج اجتماعي بعد عرض الحلقة.. كل ذلك لا يهم، ليس طرف في معادلة “صبايا الخير” التي يجب أن تجيب فيه الضحية على سؤال: “كنت حاسة بإيه وهو بيغتصبك؟!”.

أتذكر شعوري كصحفي وانا اشهد بعض من تلك الحلقات، كنت اتعجب من قدرة ريهام على غض النظر عن الأسئلة التي لا يمكن تجاوزها وهي تحاور بنت تم اغتصابها ولم يُقدم مغتصبها للمحاكمة بسبب تلاعب في تقرير الطب الشرعي. كيف تستطيع ريهام في نفس الحلقة أن تتجاوز فكرة أن الطب الشرعي يتلاعب بالتقارير في لقائها مع الفتاة ثم مع والدتها، لتأخذ الحديث ببراعة إلى الناحية الأخرى التي تُنسي المشاهد الطب الشرعي.. “يعني انتي متأكدة أن البنت باظت؟” (باظت في القاموس الشعب أي فقدت عذريتها).

أما عن لقائها بالشباب المتهمين بانتمائهم للألتراس منذ بعضة أيام، فكان حكم ريهام – الذي ستنقله بدروها لمشاهديها – على الشباب بالإرهاب قد صدر قبل أن تبدأ في السماع منهم. فريهام لا تسمع ولا تتبنى سوى وجهة نظر ضابط المباحث الذي نسق معها لتصور هذه القضية، لذلك لا تترك مساحة لأي نقاش قد يشكك في صحة الإجراءات أو صدق جهات التحقيق حتى وإن كان المتهم لم يُدان بعد. فلن تجد ريهام أبدا تترك المساحة لأي شخص بأن يدعي على جهات الأمن، حتى لو كان قصة الحلقة أن قسم الشرطة رفض استقبال متهمين أو أن معاون المباحث يتعاون مع المُغتصب لكي يفسد القضية.

قامت ريهام في لقائها مع الشباب القصر باتهامهم بأن نظراتهم ليست نظرات شخص برئ ليس له علاقة بالسياسة، كما لو كان الاهتمام بالسياسة تهمة، تطلب منهم الاعتراف لأن الأجهزة الأمنية لا تخطئ، تلومهم على وعيهم السياسي لأنهم لم يصلوا لسن الانتخاب بعد، تضغط وتضغط على شباب لم يدخلوا المرحلة الثانوية بعد، لتقدم من خلالهم حلقة ساخنة أخرى، تتفق مع منطق الدولة ورجل الشارع المتواضع دون أن تدرك أنها هي وزملائها الإعلاميين يزيدون الفجوة بين الشباب والدولة أكثر وأكثر.

اعتقد أن ريهام – من وجهة نظري – نسخة هذا العصر من مفيد فوزي. تبدو كما لو كانت تدافع عن الحق – وقد تظن هي ذلك – لكنها من الناحية الأخرى تبحث عن أي وعاء تفرغ فيه لومها وتحدثه عن المبادئ، دون أن يخرج المتلقي بأي فائدة من الحلقة، فهي لا تقدم له أي نقاش ولا أي تحليل أو أي تغطية، سوى قضية ساخنة، وبعض من اللوم والتأنيب للمجرم. لكن ما يميز ريهام عن غيرها هو باب “الخير” الذي تقدم من خلاله علاج لربما عشرات الآلاف من المواطنين كل عام. ذلك الباب الذي يجعلها فوق مستوى النقد، ويجعل المقالات والبرامج التي تهاجمها بلا فائدة أمام إثارة برنامجها وحصانة الخير.

ريهام مثل النظام تماما، تحتكر الحق والدين والصواب وحدها، لا تقبل سوى الديانات السماوية، ترى أن مليارات البشر غير المؤمنين بالله هم مرضى نفسيين(قالت ذلك حرفيا في برنامج مصارحة حرة). وعلى الناحية الأخرى مثل الدولة أيضا لا تترك مساحة لنقاش أخطاء الدولة أمام المجتمع، فهذه الأخطاء لا يجب أن تناقش أمام العامة،وتشارك الدولة أيضا في الاعتقاد بأن من ينتقدها هم من الحاقدين على نجاحها.

ريهام – مثل النظام – تمتلك الشجاعة والقوة أمام المواطن البسيط، والمجرم والملحدة والألتراس، حتى أنها تستطيع أن تذهب إلى قطاع غزة وتسأل عن تي شيرت السيسي رغم حساسيات الوضع، لكنها لن تسأل أبدا عن اسم الضابط الذي تعاون مع المُغتصب.

 للتواصل مع الكاتب من هنا

 

اقرأ أيضًا:

كريم الدجوي : لا تذبحوا محمد صبحي وجيله!  

كريم الدجوي: إسلام بحيري.. عندما يخشى الفكر الإسلامي صباع كفتة!

كريم الدجوي :مديرة مسرح الهناجر.. ومسؤولي تجنب الشوشرة!

كريم الدجوي :الموبايل الصيني يهزم المليارات!

كريم الدجوي :كيف لا نكون الخاسر الأكبر؟

تابعونا عبر تويتر من هنا
تابعونا عبر الفيس بوك من هنا